اليابان توافق على إعادة تشغيل أكبر محطة للطاقة النووية في العالم

بعد سنوات من التوقف القسري أعقبت كارثة فوكوشيما عام 2011، تقف اليابان على أعتاب فصل جديد في قطاع الطاقة لديها. فقرار السماح بإعادة تشغيل أكبر محطة للطاقة النووية في العالم، “كاشيوازاكي كاريوا”، يمثل علامة فارقة، ليس فقط بالنسبة لليابان، بل ولصناعة الطاقة النووية عالمياً. هذا التحول يأتي في ظل تزايد الضغوط العالمية لخفض الانبعاثات الكربونية وتأمين مصادر طاقة موثوقة، خاصة مع الطلب المتزايد على الكهرباء بسبب تطورات الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات.
اليابان والطاقة النووية: تحول استراتيجي بعد فوكوشيما
منح هيديو هانازومي، حاكم محافظة نيغاتا، الضوء الأخضر لإعادة تشغيل مفاعلين في محطة “كاشيوازاكي كاريوا” (KK) التابعة لشركة طوكيو إلكتريك باور. هذا القرار، الذي أُعلن يوم الجمعة، يقرّ بأن الطاقة النووية ضرورية لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة من الطاقة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد مثل الغاز والفحم. وعلى الرغم من حساسية هذا الموضوع، إلا أنّ الحاكم أكد أنّه أمضى سبع سنوات في دراسة الملف بعناية، وسيحيل القرار إلى الجمعية المحلية للتصويت عليه، كخطوة لضمان الشفافية والحصول على ثقة المجتمع المحلي.
رمزية القرار وأثره على الحياد الكربوني
لا يقتصر أهمية هذا القرار على الجانب التقني والاقتصادي، بل يحمل أيضاً رمزية كبيرة لليابان. فهو يمثل إعلاناً صريحاً عن عودة البلاد إلى تبني الطاقة النووية كجزء أساسي من مزيجها الطاقي. محطة KK، بقدرتها الإنتاجية الهائلة، ستساهم بشكل كبير في تقليل البصمة الكربونية لليابان، ودعمها في تحقيق أهداف الحياد الكربوني التي تعهدت بها.
تأثير إعادة التشغيل على سوق الغاز ومخاوف التيبكو
إعادة تشغيل محطة “كاشيوازاكي كاريوا” من المتوقع أن يكون لها تأثير ملحوظ على سوق الغاز الطبيعي المسال في اليابان. تشير التحليلات إلى أن المحطة قد تخفض الطلب الشهري على الغاز بنحو 130 ألف طن، وهو ما يعكس القدرة المتزايدة لالطاقة النووية على تلبية جزء كبير من احتياجات البلاد. اليابان، التي تستورد في المتوسط 5.3 مليون طن من الغاز المسال شهرياً، قد تشهد تغييرات في استراتيجياتها الطاقية مع زيادة إنتاج الكهرباء من المصادر النووية.
بالنسبة لشركة طوكيو إلكتريك باور (تيبكو)، فإن إعادة تشغيل KK يمثل خطوة حاسمة للخروج من الأزمة التي تسببت فيها كارثة فوكوشيما. فتيبكو، التي كانت تدير محطة فوكوشيما دايئيتشي عام 2011، لا تزال تتحمل تكاليف هائلة لتفكيك المحطة المتضررة، وقد خصصت هذا العام 903 مليارات ين (5.7 مليار دولار) لهذا الغرض. تشغيل محطة KK سيعزز مكانة تيبكو في سوق الطاقة، ويساعدها على التعافي من الخسائر الفادحة التي تكبدتها.
تحديات ومعارضة لإعادة التشغيل
على الرغم من الزخم الإيجابي، إلا أن عودة الطاقة النووية إلى اليابان لا تخلو من التحديات. فالمعارضة الشعبية لا تزال قوية، خاصة في المناطق المحيطة بالمحطات النووية. كما أن هناك مخاوف مستمرة بشأن السلامة النووية، وتطبيق أحدث المعايير والمتطلبات بعد كارثة فوكوشيما. الحاكم هانازومي نفسه أكد على ضرورة التزام المحطة بأعلى معايير السلامة، وشدد على أنه سيطالب الحكومة المركزية باتخاذ التدابير اللازمة لضمان ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، أثارت بعض الحوادث الأمنية الأخيرة في محطة KK قلقاً كبيراً. فقد كشفت هيئة الرقابة النووية عن وقوع مخالفات في التعامل مع المستندات الأمنية، مما أدى إلى رفع مستوى التحذير الأمني لفترة من الوقت. هذه الحوادث تذكّر بالاحتياطات اللازمة التي يجب اتخاذها لضمان سلامة وأمن المنشآت النووية.
الاعتبارات السياسية والمحلية
يعكس مسار إعادة التشغيل النووي في اليابان التأثيرات السياسية المحلية العميقة. فالعملية معقدة وتتطلب موافقة من السلطات المحلية والوطنية، بالإضافة إلى التغلب على المخاوف العامة. معظم أعضاء المجلس المحلي في محافظة نيغاتا ينتمون إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي، وهو ما قد يسهل عملية التصويت على قرار الحاكم هانازومي، لكن لا يزال هناك بعض المعارضة الداخلية.
مستقبل الطاقة النووية في اليابان
يمثل قرار إعادة تشغيل محطة “كاشيوازاكي كاريوا” نقطة تحول في سياسة الطاقة اليابانية، ويفتح الباب أمام عودة تدريجية للطاقة النووية. ومع ذلك، فإن المستقبل لا يزال غير واضح، حيث ستعتمد وتيرة إعادة التشغيل على عوامل متعددة، بما في ذلك التقدم التكنولوجي، والقبول العام، والتطورات السياسية. إن تحقيق التوازن بين الحاجة إلى طاقة موثوقة ومنخفضة الكربون، وبين المخاوف الأمنية والبيئية، سيكون التحدي الأكبر الذي تواجهه اليابان في مسارها نحو مستقبل طاقي مستدام. العين الآن على تصويت الجمعية المحلية، الذي من المتوقع أن يكون بمثابة تأكيد على المضي قدماً في هذا التوجه الاستراتيجي نحو












