كيف يبدو مشهد السباق على الذكاء الاصطناعي بين أميركا والصين؟

مرّت ثلاث سنوات تقريباً منذ أن أطلقت الولايات المتحدة طفرة الذكاء الاصطناعي، وما يزال مُعظم العالم يحاول اللحاق بها، وتقترب دولة واحدة فقط من مضاهاتها في تطوير الذكاء الاصطناعي وتلك هي الصين.
الولايات المتحدة تقود عصر الذكاء الاصطناعي
قادت الولايات المتحدة الطريق مع الاختراقات الرئيسية التي حددت عصر الذكاء الاصطناعي الحالي. كانت الشركات الأميركية رائدة في رقائق الحوسبة المتقدمة ونماذج اللغة الكبيرة التي تدعم روبوتات الدردشة التوليدية للذكاء الاصطناعي اليوم. كما أطلقت شركات أميركية مثل “أوبن إيه آي” (OpenAI) و”ألفابت” مالكة “جوجل” أنظمة ذكاء اصطناعي تحاكي عملية التفكير البشري وتُنتج مقاطع مصورة وصوراً ومقاطع صوتية.
سارعت شركات التقنية الصينية لتقفي خطاها، ما يُشير إلى مدى سرعة تحول هذه التطورات التقنية إلى سلع. وفي مواجهة القيود المتعلقة بالوصول إلى الرقائق الأميركية، قامت الشركات الصينية ببناء نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على القيام بمزيد من العمل بقوة حوسبة أقل. ولعل الأهم من ذلك هو أنها تبنت معايير مفتوحة المصدر، فأصبحت منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها متاحة مجاناً لأي شخص لاستخدامها وتكييفها لأغراضه.
دور الصين في سباق الذكاء الاصطناعي
أصدرت شركات صينية مثل “ديب سيك” (DeepSeek) و”علي بابا غروب هولدينغ” (Alibaba Group Holding) و”مونشوت” (Moonshot) نماذج ذكاء اصطناعي تقترب من قدرات الأنظمة الرائدة من الشركات الأميركية، بدفع من حكومة جعلت قيادة الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية. لتحقيق هذه الغاية، تطلق الصين حزمة دعم حكومي سخي وشبكة وطنية من مراكز معالجة البيانات المترابطة.
الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي
هذا العام، ضخ أصحاب رؤوس الأموال المغامرة 193 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة اعتباراً من أوائل أكتوبر، وهو رقم قياسي عالمي جديد. ويُتوقع أن تنفق أربع شركات تقنية كبيرة – “جوجل” و”ميتابلاتفورمز” (Meta Platforms) و”مايكروسوفت” و”أمازون دوت كوم” – أكثر من 370 مليار دولار في عام 2025، مع توجيه معظمها لبناء مراكز البيانات اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي.
في العقد الذي سبق طفرة الذكاء الاصطناعي، استثمر رأس المال الاستثماري المدعوم من الحكومة الصينية ما يقدر بنحو 912 مليار دولار في قطاعات تعتبر بالغة الأهمية لتنمية البلاد، حيث ذهب ما يقرب من ربع هذا المبلغ إلى 1.4 مليون شركة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
أنشأت الصين نظاماً بيئياً هائلاً للذكاء الاصطناعي متجذراً في مجموعات ضخمة من البيانات التي تديرها الدولة والمستمدة من مصادر منها وسائل التواصل الاجتماعي ولقطات المراقبة والمعاملات المالية. كما استفادت من شبكة مترامية الأطراف من مراكز البيانات التي تعمل بالطاقة المتجددة بشكل متزايد.
في الولايات المتحدة، تستثمر شركات التقنية الكبرى في مراكز بيانات أكبر حجماً مزودة بآلاف رقائق “إنفيديا” لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً. في أيامه الأولى بعد عودته إلى البيت الأبيض، دافع ترمب عن مشروع مشترك بين شركة “أوبن إيه آي” وشركة “أوراكل” ومجموعة “سوفت بنك”اليابانية لاستثمار ما يصل إلى 500 مليار دولار في البنية التحتية المادية لدعم الذكاء الاصطناعي.
اللاعبون الكبار في الذكاء الاصطناعي
أطلقت “أوبن إيه آي” طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي بإطلاق “تشات جي بي تي”، وما تزال أشهر مختبر للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، إن لم يكن في العالم. ومن بين مطوري الذكاء الاصطناعي الرائدين الآخرين في البلاد شركة “جوجل” الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى “أنثروبيك” و”إكس إيه آي” (xAI)، وهي شركة ناشئة تابعة لإيلون ماسك.
يهيمن على سوق الذكاء الاصطناعي في الصين مزيج من شركات الإنترنت الكبيرة هي “بايدو” (Baidu) و”علي بابا” و”بايت دانس” (Bytedance) مالكة “تيك توك” – ونجمات صاعدة مثل “جيبو” (Zhipu) و”مونشوت” (Moonshot). وقد سدّ “إيرني” (Ernie) من “بايدو” و”كوين” (Qwen) من “علي بابا” الفجوة مع المنصات الأميركية في مجالات مثل إتقان التفكير والبرمجة.
مع استمرار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي، يبقى السؤال حول من سيتمكن من قيادة هذا المجال الحيوي في المستقبل. سيتطلب الأمر استثمارات كبيرة في البنية التحتية والمواهب والبحث والتطوير. ومع ذلك، فإن الفائز في سباق الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير كبير على مستقبل التكنولوجيا والاقتصاد العالمي.












