اكتشاف آلية جديدة وراء مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية

اكتشف باحثون في جامعة إدنبرة البريطانية آلية جديدة تفسر مقاومة بعض البكتيريا للمضادات الحيوية الشائعة، مما يمهد الطريق لتطوير علاجات أكثر فعالية ضد العدوى البكتيرية التي يصعب علاجها. أشار الباحثون إلى أن استهداف هذه الآلية الدفاعية يمكن أن يساعد في مواجهة خطر مقاومة مضادات الميكروبات، التي تعد واحدة من أخطر التحديات الصحية في العالم حاليًا.
أظهرت الدراسة أن بعض أنواع البكتيريا تمتلك نظامًا خاصًا لإصلاح الحمض النووي الريبي (RNA) التالف داخلها، وهو ما يسمح لها بمواصلة إنتاج البروتينات الضرورية للنمو والبقاء حتى في وجود المضادات الحيوية التي تهدف إلى تعطيل هذه العملية الحيوية. يمثل هذا النظام، المعروف باسم "RTC"، هدفًا دوائيًا جديدًا يمكن استغلاله في تحسين فاعلية المضادات الحيوية الحالية.
آلية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية
أوضح الباحثون أن المضادات الحيوية تعمل عادة عبر استهداف إنتاج البروتينات الأساسية داخل الخلايا البكتيرية، مما يؤدي إلى توقف نموها وموتها. ومع ذلك، فإن وجود نظام "RTC" داخل بعض السلالات البكتيرية يمنحها قدرة استثنائية على التعافي من الأضرار التي تحدثها هذه الأدوية.
عندما تتعرض البكتيريا لمضاد حيوي يعيق عمل الريبوسومات المسؤولة عن ترجمة المعلومات الوراثية من الحمض النووي إلى بروتينات، يتدخل نظام "RTC" لإصلاح جزيئات الحمض النووي الريبي التالفة، مما يسمح للخلايا بمواصلة نشاطها الحيوي رغم العلاج. هذه القدرة على "الالتفاف" حول آلية الدواء تمثل أحد الأسباب التي تجعل بعض أنواع العدوى البكتيرية مستعصية على العلاج.
تطوير علاجات جديدة
أكد الباحثون أن كبح نشاط نظام "RTC" أو تعطيله يجعل البكتيريا أكثر حساسية للمضادات الحيوية، إذ تصبح غير قادرة على إصلاح جزيئاتها الحيوية بعد الضرر. استنتج الباحثون أن تطوير أدوية تستهدف هذا النظام مباشرة ربما يعيد فعالية المضادات الحيوية الموجودة بالفعل، ويجعلها أكثر قدرة على القضاء على العدوى المقاومة.
تشير النتائج إلى أن المقاومة المتزايدة للمضادات الحيوية تعد من أخطر التهديدات الصحية في القرن الحادي والعشرين، مما يؤدي إلى فشل العلاجات المعروفة وارتفاع معدلات الوفيات بسبب العدوى البسيطة التي كانت قابلة للعلاج في الماضي.
قال الباحثون إن فهم الآليات الجزيئية التي تمنح البكتيريا قدرة البقاء يمثل خطوة مركزية في معركة الطب الحديث ضد هذه الظاهرة. أشاروا إلى أن البكتيريا "مخلوقات بارعة في التعلم"، موضحين أن هذه الكائنات البسيطة طورت على مدار العقود وسائل ذكية للتكيف مع الأدوية المصممة لقتلها.
التحديات المستقبلية
اعتبر الباحثون أن النتائج تمثل خطوة علمية بارزة في فهم مقاومة البكتيريا، لأنها تركز على آلية لم تكن معروفة من قبل. أوضحوا أن معظم الجهود السابقة كانت تركز على دراسة الجينات التي تمنح البكتيريا مقاومة مباشرة للمضادات، لكن هذه الدراسة تسلط الضوء على مستوى أعمق، حيث تظهر كيف تستطيع الخلايا إصلاح أضرارها الداخلية بدلاً من مجرد الدفاع عن نفسها من الخارج.
من المتوقع أن يؤدي هذا الفهم الجديد إلى إعادة النظر في تصنيف بعض السلالات البكتيرية من حيث قابليتها للعلاج، لأن وجود نظام "RTC" النشط فيها قد يكون مؤشرًا على مقاومة محتملة للعقاقير. كما يمكن أن تستخدم هذه المعرفة لتطوير اختبارات تشخيصية جديدة تكتشف وجود النظام في العدوى مبكرًا، مما يتيح للطبيب اختيار العلاج الأنسب لكل حالة على حدة.











