اخبار مصر

لماذا تواصل البنوك المركزية شراء الذهب؟ خبراء يوضحون

أكد خبراء اقتصاديون تحدث إليهم “مصراوي” أن الاتجاه الحالي نحو زيادة احتياطيات الذهب يحمل دلالات استراتيجية تتجاوز فكرة التنويع التقليدي للأصول، إذ يأتي في وقت تتراجع فيه الثقة في أدوات الدين الأمريكية، وتتصاعد فيه المخاوف من اتساع الدين العالمي وتقلبات أسعار الفائدة والدولار.

وشهدت السنوات الأخيرة تحولًا واسعًا في سياسات البنوك المركزية العالمية نحو زيادة حيازاتها من الذهب، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتقلبات الأسواق، وتراجع الثقة في الأصول الدولارية.

عززت البنوك المركزية وتيرة مشترياتها في الربع الثالث. اشترت البنوك المركزية 220 طنًا صافيًا في الربع الثالث، بزيادة قدرها 28% عن الربع السابق، كان البنك الوطني الكازاخستاني أكبر مشترٍ في الربع الثالث، بينما أضاف البنك المركزي البرازيلي الذهب لأول مرة منذ عام 2021.
على نطاق المشتريات في البداية، يُشير ارتفاع الطلب في الربع الأخير إلى أن البنوك المركزية تواصل زيادة احتياطياتها من الذهب بشكل استراتيجي، على الرغم من مواجهة ارتفاع الأسعار.

وتسعى الصين في الآونة الأخيرة إلى توسيع نفوذها داخل سوق الذهب العالمي، من خلال تحويل بورصة شنجهاي إلى مركز دولي لتخزين الذهب السيادي، في إطار مساعيها لتقليل الاعتماد على الدولار وتعزيز مكانة اليوان في النظام المالي العالمي.

وفي المقابل، لا تزال لندن ونيويورك تحتفظان بدورهما كمركزين رئيسيين لتخزين وتداول الذهب، حيث يضم بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي الأميركي الجزء الأكبر من احتياطيات البنوك المركزية حول العالم.

استراتيجية تحوط ضد تنامي الدين العالمي والمخاطر

قال الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن توجه البنوك المركزية في الدول الكبرى لزيادة احتياطاتها من الذهب في الفترة الأخيرة ليس مجرد خطة لتنويع مكونات الاحتياطي النقدي، بل يأتي في الأساس كخطوة تحوط استراتيجية ضد تنامي الدين العالمي والمخاطر الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على بعض الدول.

وأوضح النحاس أن الدين العالمي بلغ مستويات غير مسبوقة تجاوزت 330 تريليون دولار، وأن الجزء الأكبر من هذا الدين يقع على عاتق الدول الكبرى التي تمتلك الاحتياطيات النقدية الضخمة، ما يثير مخاوف حقيقية من هشاشة النظام المالي العالمي.

وأضاف أن في ظل هذه الأوضاع، بدأت الدول تتجه إلى الذهب بوصفه أصلًا نادرًا لا يتلف ولا يفقد قيمته، ويمكن الاحتفاظ به خارج المنظومة الدولارية.

وأشار إلى أن ما حدث مع تجميد الأصول الروسية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي بلغت نحو 300 مليار دولار، دفع العديد من الدول إلى إعادة التفكير في أين تضع أصولها الاحتياطية.

وأوضح النحاس أن الدول لم تعد تثق في إبقاء احتياطياتها داخل النظام المالي الأميركي، لأنها تخشى أن تتعرض لنفس المصير الروسي، لذا تبحث عن ملاذات بديلة مثل الذهب الذي يمكن تسييله في أي مكان بالعالم.

ورغم هذا التوجه العالمي نحو المعدن النفيس، يرى النحاس أن الولايات المتحدة ما زالت المستفيد الأكبر، مضيفًا أن في النهاية شراء الذهب يتم بالدولار، وبالتالي أي زيادة في الطلب على الذهب تعني زيادة في الطلب على العملة الأميركية نفسها، وهو ما يخلق طلبًا غير مباشر على الدولار.

ولفت وائل النحاس إلى أن هذا المشهد يعكس اللعبة الذكية التي تديرها واشنطن، إذ تبدو وكأنها غير معنية بتراجع الثقة في الدولار، بينما في الواقع تغذي الأسواق بمزيد من الطلب عليه عبر حركة الذهب والعملات المشفرة.

الصين تدخل سباق صناعة الذهب بتكنولوجيا جديدة

وأشار النحاس أن الصين ليست فقط من أكبر المشترين للذهب، بل تتجه أيضًا نحو الاستثمار في تكنولوجيا تصنيع الذهب والمشغولات عيار 24، بعد تطوير أساليب جديدة لتقوية المعدن النقي وجعله قابلًا للتشكيل مثل عيارات 18 و21، ما قد يغير شكل سوق الحلي العالمي خلال السنوات المقبلة.

وأوضح أن هذا التوجه الصيني لا يهدف فقط لتخزين الذهب كاحتياطي، وإنما لتحويله إلى مورد صناعي واستثماري يدعم القيمة المضافة في الاقتصاد المحلي.

أزمة التسليم في أسواق الذهب العالمية

وأشار النحاس إلى أن الارتفاعات الحادة الأخيرة في الأسعار العالمية تعود في جزء منها إلى أزمة حقيقية في أسواق الذهب الآجلة، حيث لم يعد هناك ذهب يسلَّم فعليًا في المواعيد المحددة.

وأضاف أن الأسعار الحالية تجري بسرعة لأن المتعاملين في عقود تسليم نوفمبر يسابقون الوقت لتوفير الذهب الفعلي، وهو ما يجعل أسعار الذهب الفوري والآجل متقاربة بصورة غير معتادة.

وحذر النحاس من أن هذه الأزمة قد تتطور إلى موجة إفلاسات في بعض الصناديق والمنصات، مناشدًا المستثمرين المحليين أن يحولوا أموالهم إلى أصول حقيقية مثل السبائك، وألا يتركوا استثماراتهم في عقود إلكترونية بلا غطاء فعلي.

وأكد النحاس على أن ما يجري في الأسواق العالمية هو جزء من ما وصفه باقتصاد المؤشرات، حيث يتم تضخيم قيم الشركات والأصول المالية عبر المضاربات دون أن يقابلها نمو حقيقي في الإنتاج أو الأرباح.

وقال إن العالم يعيش حالة تضخم في الأصول أكثر منها في السلع، والمرحلة المقبلة ستكشف من يملك الذهب الحقيقي ومن يتعامل بالوهم.

واشنطن تسعى أحيانًا إلى إبقاء عملتها عند مستويات منخفضة

ومن جانبه قال الدكتور إيهاب الدسوقي، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات، إن الاتجاه المتزايد من قبل البنوك المركزية في الدول الكبرى نحو زيادة حيازاتها من الذهب على حساب الأصول الدولارية، يعد خطوة طبيعية في ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.

وأوضح الدسوقي أن الذهب يعد ملاذًا آمنًا وقت الأزمات، ومع استمرار التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية، فإن ارتفاع أسعاره المتتالي جعل منه خيارا جاذبًا ليس فقط للأفراد والمستثمرين، بل أيضًا للبنوك المركزية التي باتت تسعى إلى تنويع احتياطياتها وتخفيف المخاطر.

وأضاف أن استثمار جزء من الاحتياطيات في الذهب يمثل أحد أشكال التحوط من الأزمات، ويأتي في إطار سياسة التنويع بين الأصول المختلفة، مشيرًا إلى أن المعدن النفيس يتميز بكونه أصلًا خاليًا من المخاطر الائتمانية والسياسية التي قد تواجه العملات أو السندات.

وأوضح الدسوقي أن العلاقة بين الذهب والدولار علاقة عكسية بطبيعتها، حيث يؤدي تزايد الإقبال على الذهب إلى ضغوط على العملة الأميركية.

وأشار إلى أن انخفاض الدولار ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا للولايات المتحدة، إذ أن واشنطن تسعى أحيانًا إلى إبقاء عملتها عند مستويات منخفضة نسبيًا لتحفيز صادراتها وتقليل وارداتها، وهو ما قد يخدم مصالحها التجارية في بعض الفترات.

وأكد الدسوقي أن استمرار البنوك المركزية في دعم الذهب على هذا النحو يعكس تحولًا تدريجيًا في هيكل النظام المالي العالمي، باتجاه تقليل الاعتماد المفرط على الدولار، معتبراً أن هذه الخطوة تحمل دلالات اقتصادية واستراتيجية عميقة على المدى الطويل.

الذهب أصبح الضمانة الأقوى أمام ضعف الدولار

وقال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين إن احتياطيات البنوك المركزية حول العالم لم تعد تقتصر على العملات الأجنبية فقط، بل تتكوّن من مزيج متنوع من الأصول، على رأسها الذهب إلى جانب سلة من العملات الأجنبية.

وأوضح شفيع أن اتجاه البنوك المركزية مؤخرًا إلى زيادة احتياطياتها من الذهب يعد تطورًا طبيعيًا في ظل الظروف الجيوسياسية والاقتصادية الراهنة، مشيرًا إلى أن الذهب يعد اليوم الضمانة الأكثر أمانًا مقارنة بأي أداة مالية أخرى، خاصة في ظل ارتفاع أسعاره عالميًا نتيجة إقبال رؤوس الأموال عليه بدلًا من أدوات الدين الأمريكية.

وأضاف أن كل موجة توتر سياسي أو اقتصادي عالمي تدفع المستثمرين والمؤسسات السيادية إلى التحول نحو الذهب كملاذ آمن للحفاظ على القيمة، في وقت يشهد فيه الدولار الأمريكي تراجعًا تدريجيًا أمام سلة العملات الأجنبية.

وأشار شفيع إلى أن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي وصفها بأنها “في مسار عكسي لقوة الدولار” إلى جانب اتجاه البنك الفيدرالي الأمريكي لخفض الفائدة، أسهما في زيادة الضغط على العملة الأمريكية، ما شجع مزيدًا من رؤوس الأموال والبنوك المركزية على تعزيز حيازاتها من الذهب.

وأكد أن هذا الاتجاه لا يقتصر على الدول النامية، بل يشمل الصين وروسيا ومعظم الاقتصادات الكبرى التي تسعى الآن إلى زيادة احتياطياتها من الذهب لتقليل اعتمادها على الدولار.

وأشار شفيع إلى أن سعر الأونصة تجاوز مؤخرًا حاجز 4300 دولار، قبل أن تتراجع وهو ما يعكس استمرار الطلب القوي على المعدن النفيس، سواء من المستثمرين أو البنوك المركزية، باعتباره الملاذ الأكثر استقرارًا في مواجهة تقلبات الأسواق العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى