اخبار مصر

المهرجان العريق يئن تحت وطأة اللامبالاة… من سيحمي إرثه؟


جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يا وزير الثقافة، هل تدرك أن مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط، هذا الرمز العريق، أصبح اليوم أشبه بسفينة بلا دفة، تطوف على أمواج الإهمال، وترتطم بصخور التقاعس، بينما من المفترض أن تكون الأعين كلها شاخصة نحو بوصلة ثقافة مصر العريقة؟

الدورة الحادية والأربعون، التي انتهت قبل أيام، كانت شاهدة على سقوطٍ مدوٍ لم يُخفِه ضعف الحضور ولا شُح الأفلام المشاركة، ولا تقليص عدد أيام الفعاليات. لقد صار المهرجان ظلًا لما كان، أشباحه تتجول في قاعات خاوية، وصدى فعالياته بالكاد يصل إلى أذن من يفترض أنهم يقفون على مسرح مسؤوليته.

افتتاح بلا رمزية، ختام بلا صدى، وغياب تام لقيادات المحافظة التي كان حضورها دائمًا ينبض بالمكانة، يعكس سياسة التهاون التي اعتلت هذا الحدث الثقافي. المحافظ، ومدير الأمن، وكل من كان مفترضًا أن يكون حارسًا للكرامة الثقافية، اختاروا مقاعدهم المكيفة كأنهم يراقبون سقوط المهرجان من بعيد، وكأنهم لا يرون في التاريخ نفسه صوتًا يصرخ من الألم.

أما وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنو، فقد غاب عن الحدث، ولم يبعث بمن ينوب عنه، في رسالة صريحة بأن الإسكندرية السينمائي لم يعد يستحق الاهتمام. هذا الغياب ليس مجرد تقصير، بل إعلان صريح بأن المهرجان صار بلا قيمة، وأن إرثه الثقافي يُترك للارتجاف بين أطراف الإهمال، كبيت بلا أساس، أو جسر تهدمت أعمدته قبل أن تصله أولى خطوات الضيوف.

المهرجان الذي كان يستقطب نجوم مصر والعالم: محمود عبد العزيز، وأحمد زكي، ونادية الجندي، ونبيلة عبيد، أصبح اليوم بلا بريق، بلا حضور حقيقي، وكأن التاريخ نفسه قرر أن يعاقب من تخلى عن الإرث. هؤلاء النجوم كانوا يجعلون كل دورة احتفالًا بالفن والهوية المصرية، واليوم غيابهم يعكس ضعف الإدارة، وكأن السفينة بلا طاقم، تنتظر من يضع لها بوصلة، بينما المسؤولون منشغلون بتحقيق مصالحهم الشخصية أو تغافلوا عن واجبهم.

الرسالة هنا واضحة: هناك من خان الأمانة، وهناك من ترك المهرجان يتحول إلى مهرجان أشباح. تقليص الفعاليات، غياب النجوم، عدم متابعة الدعوات الرسمية، كلها شواهد على تقصير مقصود، إهمال لا يمكن تبريره، وكأن المهرجان صار لعبة للأطفال تُترك لتختبر قوة الريح فقط.

إعادة الحياة للمهرجان لا تتطلب كلامًا بل أفعالًا: محاسبة المسؤولين، إعادة ترتيب البيت من الداخل، خطة دقيقة لدعم المهرجان لوجستيًا وماليًا، وضمان حضور فعلي من الوزارة والمحافظة، لا مجرد بيانات عاجزة على الورق. كل يوم يمر دون اتخاذ هذه الإجراءات هو يوم يضيف إلى المهرجان مزيدًا من الشحوب ويقربه أكثر من النسيان.

الإسكندرية السينمائي ليس حدثًا عابرًا، بل رمز الهوية الثقافية المصرية، وقوة مصر الناعمة في العالم. ومن يتهاون في حمايته أو تطويره يرتكب جريمة ثقافية واضحة، جريمة الإهمال، جريمة تقاعس المسؤولية، وجريمة تجاه إرث هذه المدينة العريقة.

الآن صار لا بد من محاسبة صريحة لكل من سمح بتقليص الفعاليات، وكل من تجاهل دعوة النجوم، وكل من اعتبر غياب الحضور الرسمي أمرًا ثانويًا، يجب أن يُسأل أمام الرأي العام. أي تأجيل أو صمت هو استهتار بالثقافة والفن، واستمرار في جريمة واضحة تجاه مصر.

الإسكندرية السينمائي يحتاج إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل، واستعادة القيادة، وحزم في المتابعة والإدارة. لن نسمح بأن يتحول رمز ثقافي بهذا الحجم إلى مهرجان بلا بوصلة، بلا حياة، بلا حضور، بينما المسؤولون يراقبون سقوطه من خلف ستار الراحة.

إذا لم تتحرك الوزارة فورًا، فإن المهرجان سيظل ظلًا لما كان، وسيظل المسؤولون يتركون إرث مصر الثقافي يُهدم أمام أعينهم، وكأنهم يبتسمون للخراب. المهرجان يحتاج إلى يد قوية تحميه، وقرار حاسم يعيد له بريقه، لا كما يراه العالم اليوم.. مهرجان بلا حضور، بلا وزن، وبلا روح، في حين أن قلب الثقافة المصرية ما زال ينبض، ينتظر من ينقذه قبل أن يفقد الأمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى