اخبار مصر

كيف أطاحت سياسات ترامب التجارية بثقة السياح؟



05:04 م


الثلاثاء 27 مايو 2025

كتبت سلمى سمير:

بين تشديد الإجراءات على الحدود، وفرض رسوم جمركية واسعة النطاق، وتدهور الصورة الذهنية للولايات المتحدة في الخارج، تبدو السياحة الدولية إلى أمريكا في مسار انحداري يُنذر بتبعات اقتصادية ثقيلة، حيث تشير أحدث البيانات الصادرة عن مجموعة من المؤسسات المتخصصة في الشأن السياحي إلى أن واشنطن قد تخسر أكثر من 23 مليار دولار من ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، نتيجة تراجع ثقة السياح الأجانب، خاصة من دول كانت حتى وقت قريب بين أكثر زوار الولايات المتحدة إنفاقًا.

هذا التراجع لا يقتصر فقط على أرقام الحجوزات في الفنادق، بل يمتد تأثيره إلى قطاعات الخدمات المرتبطة بالسياحة، مثل الفنادق والمطاعم، حيث تشير تقديرات صحيفة موقع “إمبلان” الاقتصادي الأمريكي، إلى خسائر محتملة بقيمة 23 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وفقدان حوالي 230 ألف وظيفة. ومن المتوقع أن تتأثر بشكل خاص الوظائف في قطاعات الضيافة والترفيه والتجزئة، وهو ما يمثل ضربة اقتصادية كبيرة لمناطق سياحية رئيسية مثل فلوريدا ونيويورك ولاس فيجاس.

ثقة السياح تتآكل

تشير بيانات حديثة نشرها موقع “تريفاجو” المتخصص في حجوزات الفنادق إلى انخفاض مزدوج الرقم في حجوزات السفر من دول رئيسية مثل اليابان وكندا والمكسيك خلال شهري مايو ويونيو 2024 مقارنة بالعام السابق، حيث سجلت اليابان وكندا تراجعاً بنحو 20 في المئة، بينما شهدت دول أخرى كألمانيا انخفاضاً أقل نسبياً بنحو 10 في المئة. وفي مقابل ذلك، حافظت المملكة المتحدة على نسب مستقرة بعد توقيع أول اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة عقب إعلان التعريفات الجمركية.

وتعد تلك الدول من أوائل الدول التي طالتها رسوم ترامب الجمركية بشكل مباشر. فبعد أن فرض الرئيس الجمهوري تعريفات بنسبة 25% على واردات السيارات وقطع الغيار، بالإضافة إلى تعريفات أخرى على الصلب والألمنيوم، بدأت أعداد الزائرين من تلك الدول بالانخفاض بشكل ملحوظ

في تقرير صدر هذا الشهر، توقع “مجلس السياحة والسفر العالمي” أن تنخفض نفقات الزوار الدوليين في الولايات المتحدة من 181 مليار دولار في عام 2024 إلى أقل من 169 مليار دولار بحلول نهاية 2025.

ويأتي هذا الانخفاض بنسبة 7% مقارنة بعام 2024 وبنسبة 22% عن ذروة السياحة ما قبل جائحة كورونا 2019. وبحسب جوليا سيمبسون، رئيسة المجلس، فإن “دولاً عديدة حول العالم تفرش السجاد الأحمر للسياح، بينما يبدو أن أمريكا تضع لافتة: نحن مغلقون”.

صورة-2

كندا تقود المقاطعة

منذ اليوم اليوم الأول لتنصيبه رسميا في ولايته الثانية رفع ترامب شعار “أمريكا أولًا” وهو ما اعتبر “سياسات عدائية” بنظر بعض الدول خاصة في ظل الإجراءات الحدودية المشددة ضد المهاجرين التي لعبت دورًا في ترسيخ صورة سلبية عن البلاد بين الجمهور الدولي، ما أدى إلى إصدار عدة دول لتحذيرات سفر إلى الولايات المتحدة.

في كندا، حيث العلاقات التجارية والإنسانية عميقة مع الولايات المتحدة، إلا أنها تغيرت بعد إفصاح ترامب عن رغبته في جعل الجارة الشمالية “الولاية الأمريكية رقم 51″، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة “لونجوودز إنترناشيونال” أن 60% من الكنديين باتوا أقل ميلًا للسفر إلى الولايات المتحدة بسبب التوترات السياسية والاقتصادية الأخيرة. وانعكس ذلك ميدانيًا، إذ تراجعت زيارات الكنديين بنسبة 35% عبر البر و20% عبر الجو، وسط توقعات بانخفاض إجمالي الزوار الكنديين إلى أميركا بنسبة 20% هذا العام.

صورة 3

هذه التغيرات تركت أثرًا واضحًا في بلدات أمريكية صغيرة على الحدود، خاصة في ولايات مثل واشنطن ونيويورك، وذلك بعد إبلاغ أكثر من 66% من الشركات السياحية في شمال نيويورك بحدوث تراجع في الحجوزات الكندية لعام 2025.

ووفقًا لتقديرات موقع “إمبلان” الاقتصادي الأمريكي، فإن انخفاضًا بنسبة 10% في السياحة الدولية يمكن أن يؤدي إلى خسارة ما يعادل 230,000 وظيفة في الولايات المتحدة. ومن بين أكثر القطاعات المهددة بأن تكون الأكثر تضررًا:

• قطاع المطاعم بخسارة 50,000 وظيفة.

• قطاع الفنادق والإقامة بخسارة نحو 45,000 وظيفة.

• قطاع الترفيه بخسارة 25,000 وظيفة.

• قطاع التجزئة، بما يشمل محطات الوقود، بخسارة تقارب 19,500 وظيفة.

وتُقدر خسائر الدخل الناتجة عن هذه التراجعات بما يزيد عن 13 مليار دولار، وتشمل الأجور والرواتب والأرباح الفردية، وهو ما حذرت الخبيرة الاقتصادية جينيفر ثورفالدسون في تصريحات لصحيفة “فورتن”، أنها ستؤدي إلى تأثير كبير على قطاع العمالة الأمريكية.

صورة رئيسية

من شركات الطيران إلى الفنادق

ومن أمريكا إلى أوروبا التي طالتها أيضًا رسوم ترامب الجمركية، حيث لاحظت شركات الطيران الأوروبية مثل “إير فرانس – كيه إل إم” و”لوفتهانزا” انخفاضًا في الطلب على الرحلات عبر الأطلسي إلى أمريكا. في المقابل، ارتفع الطلب الأمريكي على السفر إلى أوروبا، مما يعكس تباينًا حادًا في تدفق المسافرين.

وفي الوقت نفسه، بدأت شركات الطيران الأمريكية الكبرى مثل “دلتا” و”يونايتد” بإعادة النظر في جداولها التشغيلية. حيث خفضت “دلتا” جدول رحلاتها الصيفية، وقررت “يونايتد” قررت تقاعد 21 طائرة مبكرًا وتقليص الرحلات نحو كندا، استجابةً لتراجع الحجوزات. كما تواجه المطارات الأمريكية أزمات تشغيلية تتعلق بفشل أنظمة المراقبة الجوية ونقص الموظفين، خاصة في مطارات مثل نيوارك وأتلانتا.

صورة 5

أما الفنادق، فلا تزال تنتظر الضربة الكبرى. فوفقًا لمجلة “فوربس”، تراجعت أسهم شركات الفنادق بشكل متسارع بعد إعلان الرسوم الجمركية في أبريل، وهو ما يعتبر بمثابة “ضربة جديدة لقطاع السياحة الذي لم يتعافَ بعد من جراح جائحة كورونا”.

الترويج لبدائل أرخص

رغم تراجع الدولار بعد موجة الرسوم الجمركية، إلا أنه لا يزال قويًا نسبيًا مقارنة بعملات مثل الين الياباني والريال البرازيلي، ما يجعل الولايات المتحدة وجهة مكلفة للسياح، وهو ما سيجعل كثير من المسافرين الآن يفضلون دولًا تقدم أسعارًا أفضل وتجربة دخول أسهل، مثل المكسيك ودول الكاريبي، التي باتت تروّج لنفسها كبدائل مريحة لأمريكا.

صورة 6

ووفقًا لتوقعات موقع “أوكسفورد إيكونوميكس”، من المحتمل أن تنخفض أعداد الزوار الدوليين إلى الولايات المتحدة بنسبة 8.7% في 2025، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى زيادة قدرها 8.8% قبل أشهر فقط، وهي الآثار التي يرجح الموقع أن تظهر بشكل أكثر وضوحًا مع دخول أشهر الذروة الصيفية، مثل يونيو ويوليو وأغسطس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى