ندوة متخصصة تؤكد أهمية منطقة الصبية وشمال جون الكويت لميزاتها الجيولوجية الفريدة وإرثها التاريخي
![](https://sharqobserver.com/wp-content/uploads/2025/02/1294860-1.jpg)
أكد متخصصون أهمية منطقة الصبية وشمال جون الكويت نظرا لمميزاتها الجيولوجية الفريدة والفرص الاقتصادية التي توفرها من خلال الاستثمار في السياحة البيئية والتنمية المستدامة.
وخلال ندوة أقيمت ضمن مهرجان القرين الثقافي الـ 30 واحتضنها متحف الكويت الوطني، سلط المتخصصون الضوء على منطقة الصبية وشمال جون الكويت وضرورة إبراز قيمتها كإرث طبيعي وجيولوجي وتاريخي وأثري إضافة إلى دورها الاقتصادي والبيئي.
وتناول المتخصصون في الندوة التي أقيمت بالتعاون مع الجمعية الكويتية لعلوم الأرض محاور عدة تتعلق بتاريخ تكون المنطقة ومميزاتها الجيولوجية الفريدة مع التركيز على المواقع التاريخية والأثرية التي تشهد على عمق إرثها الثقافي.
والصبية منطقة صحراوية تقع شمال شرق دولة الكويت وأصبحت محط أنظار بعثات التنقيب الأثرية العالمية بعدما كشفت أعمال التنقيب هناك عن وجود حضارات موغلة في القدم تعود إلى حقبة ما قبل الميلاد بآلاف السنين.
وتحتضن الصبية، التي تبعد عن الجهراء نحو 50 كيلومترا، مواقع أثرية مهمة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط يعود بعضها إلى عصر ما يعرف لدى خبراء الآثار بحضارة «العبيد» التي تعتبر من أوائل الحضارات الشرقية وبداية استيطان الإنسان في تلك المنطقة.
وقال الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب د.محمد الجسار، في كلمة خلال الندوة، إن هذه الفعالية تأتي في إطار جهود المجلس الوطني الرامية إلى الحفاظ على التراث الوطني الغني والمتنوع وتسلط الضوء على أهمية المناطق الأثرية والتاريخية وما تكتنزه من ثروات سواء كانت طبيعية أو مما شيده الإنسان.
وأضاف الجسار أن منطقة الصبية وشمال جون الكويت تعتبر كنزا طبيعيا وتاريخيا فريدا من نوعه، إذ تضم العديد من المواقع الأثرية التي تشهد على الكثير من الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض، فضلا عن تنوعها الجيولوجي الفريد بتضاريس طبيعية مما يجعلها ذات قيمة علمية سياحية كبيرة.
وأكد أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب يولي اهتماما كبيرا للحفاظ على التراث الوطني لدولة الكويت ويدعم جميع المبادرات التي تهدف إلى حمايته وتنميته.
وذكر أن الحفاظ على الإرث الوطني يعد مسؤولية مشتركة ما بين الأفراد ومؤسسات الدولة لحفظه ونقله إلى الأجيال المقبلة بما يعزز التنمية المستدامة ويحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
بدوره، قال الأمين العام رئيس مجلس إدارة الجمعية الكويتية لعلوم الأرض د.مبارك الهاجري، في كلمته «كنوز الصبية الجيولوجية والإرث الاقتصادي»، ان هذه الندوة تتوافق مع الخطة الإستراتيجية للجمعية ومنها السعي لنشر الوعي حول أهميه علوم الأرض ودورها الحيوي في تطوير وتنمية المجتمعات وتشجيع وتعزيز ودعم البحث العلمي والتطوير المهني بمجال علوم الأرض ومختلف تطبيقاتها.
وذكر الهاجري أن قصة دولة الكويت تجمع ما بين عبق التاريخ القديم وبدايات صناعة النفط، حيث استوطن الإنسان هذه الأرض منذ آلاف السنين، مشيرا إلى ظهور آثار من الحقبة «النيوليثية» (ما قبل العصر الحجري) واستخدام الزيت الطبيعي في منطقة البحرة بالصبية وشمال جون الكويت.
وأضاف أن «الدراسات أشارت إلى وجود آثار للثقافة العبيدية منذ نحو 8000 سنة، وهذا التاريخ العريق يدل على أن مواطن الاستفادة من موارد الأرض لم تكن جديدة على هذه البقعة».
وذكر أنه «في عام 1908 قام الرحالة لورمير بتوثيق وجود نقع نفطية في منطقة برقان، وسجل كذلك وجود مياه كبريتية في آبار المياه الجوفية في الكويت، وقد ساعدت هذه الملاحظات الشركات النفطية على استشعار وجود مكامن نفطية في باطن الأرض مما شكل خطوة أولى نحو استغلال هذه الموارد».
وأشار إلى أن «مرحلة المسوحات السطحية الجيولوجية للبحث والتنقيب الجاد بدأت في أوائل القرن العشرين حينما منحت الحكومة الكويتية امتياز التنقيب لشركة نفط الكويت، وهي شراكة بين بريتش بتروليوم وشيفرون»، مستطردا «في عام 1936 تم حفر أول بئر تجريبية في منطقة البحرة شمال البلاد، حيث أكد هذا الاكتشاف وجود النفط في باطن الكويت مستندا إلى التقارير القديمة وملاحظات الرحالة».
وأفاد الهاجري بأنه «لم تمر مدة طويلة حتى جاء الاكتشاف الأكبر، ففي عام 1938 تم الكشف عن حقل برقان في جنوب الكويت والذي برز بسرعة كمؤشر عن الإمكانات النفطية الهائلة للبلاد»، مضيفا أن «الحقل الذي يعد اليوم من أكبر الحقول النفطية شكل نقطة تحول رئيسية أدت إلى تغيير وجه الكويت وتحويلها من منطقة تاريخية ذات جذور عميقة إلى دولة نفطية لها تأثير كبير في الساحة العالمية».
واستطرد «هكذا يجسد تاريخ صناعة النفط والغاز في دولة الكويت رحلة متكاملة تبدأ منذ عصور ما قبل التاريخ حينما كان الإنسان يستفيد من الموارد الطبيعية مرورا بالتوثيقات المبكرة مثل ما قام به الرحالة لومير في العام 1908 وانتهاء باكتشاف حقول النفط التي مهدت الطريق لعصر جديد من الازدهار والتقدم».
وتطرق الهاجري إلى الكنوز الجيولوجية في منطقة الصبية قائلا: إن الحقن الرملية تعد من أبرز التكوينات الجيولوجية النادرة التي تسلط الضوء على التاريخ العميق للأرض وتكشف عن العمليات الطبيعية المعقدة التي ساهمت في تشكيلها.
وأوضح أن هذه التشكيلات التي تعود إلى العصر الأوليجوسين المتأخر والمايوسين الأول (حوالي 20 مليون سنة) وتقع في موقعين متقاربين يتميزان بتنوعهما الجيولوجي الفريد.
وقال إن فقدان هذه المواقع يعني فقدان فرصة ثمينة لفهم تاريخ الأرض والعمليات الطبيعية التي شكلتها إضافة إلى خسارة محتملة لوجهة سياحية وتعليمية نادرة.
من جهته، تحدث أستاذ علم الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة الكويت د.حسن أشكناني عن «منطقة الصبية وثقافة العبيد قبل 5700 سنة.. شاهد على العصر الحجري الحديث المتأخر».
وقال أشكناني إنه قام وآخرون بإجراء أول بحث علمي كيميائي ومعدني للكشف عن مصدر صناعة فخاريات في فترة «العبيد» عثر عليها في المنطقة ولمعرفة منشأ صناعتها ومواطن المواد الأولية المستخدمة فيها سواء المحلية أو الخارجية ومعرفة تقنية الصناعة القديمة قبل 7000 ـ 6200 سنة، وكذلك توضيح التفاعل الثقافي بين جنوب بلاد الرافدين ومنطقة الخليج العربي حوالي في الألف السادس والخامس قبل الميلاد.
وأضاف أنه في العقدين الماضيين أصبح الاهتمام بالمواقع الأثرية التي تعود إلى فترة «ثقافة العبيد» محور اهتمام لمجموعة من البعثات الأثرية التي تعمل في منطقة الخليج العربي وقد تم تحديد أكثر من 60 موقعا لهذه الفترة في جميع أنحاء الخليج مما يشير إلى نطاق واسع لشبكة التجارة ما بين 6000 و7500 سنة.
وبين أن هناك مواقع كبيرة الحجم لثقافة العبيد خارج جنوب بلاد ما بين النهرين التي قام علماء الآثار بمسحها لاستكشاف طبيعة وجود هذه الثقافة ومن هذه المواقع «بحرة 1» و«إتش 3» الأثري في شمال جون الكويت و«الدوسرية» في المملكة العربية السعودية، وجميعهم يمثلون فترة ثقافة العبيد لوجود مجموعات ضخمة من الفخاريات العبيدية سواء المستوردة من بلاد الرافدين أو الفخاريات المحلية.
وأوضح أن أعمال التنقيب في منطقة الصبية كشفت عن أكبر مستوطنة لثقافة العبيد في منطقة الخليج العربي تعود إلى منتصف الألف الخامس قبل الميلاد (حوالي 5500 قبل الميلاد أي قبل 7500 سنة).
وأضاف أشكناني أن أعمال الحفريات الأثرية تحت إشراف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قدمت اكتشافات في منطقة الصبية أعادت فهم تأريخ الاستيطان البشري على أرض الكويت الذي كان يقدر سابقا منذ الألف الثاني قبل الميلاد (حوالي قبل 4000 سنة) في جزيرة فيلكا.
وتحدث عن منطقة بحرة في الصبية كأقدم موقع استيطان بشري في الكويت، مبينا أنه تم العثور في الموقع على العديد من بقايا الأدوات المصنوعة من الصدف وكسر فخارية ملونة وبعضها مزخرفة يمكن التعرف عليهم بسهولة على أنهم مجموعات تنتمي إلى ثقافة العبيد.
وأشار إلى أقدم مبنى طقوسي وورشة صناعة أدوات الزينة الذي كشف عنه الفريق الپولندي، وهو أقدم ضريح أو بناء طقوسي في منطقة الخليج العربي مما يعكس مستوى التطور الاجتماعي في ثقافة العبيد على أرض الصبية.
وبين أشكناني أن الفريق الپولندي في نهاية موسم تنقيبه بمنطقة الصبية عام 2024 اكتشف تمثال رأس آدمي من الخزف يعود تقريبا إلى 7500 سنة من نفس موقع بحرة ليكون أحد أندر اكتشافات فترة ثقافة العبيد في منطقة الخليج العربي، إضافة إلى أدلة لبقايا نباتية تعود إلى نفس الفترة تزيد فهم العلماء حول البيئة القديمة ودرجات الحرارة في منطقة الصبية قبل آلاف السنين.
وتحدث المتخصص في آثار الشرق الأدني القديم د.سلطان الدويش عن «آبار المياه القديمة في شمال غرب الكويت»، مؤكدا أن وجود المواقع الأثرية منذ العصر الحجري الحديث حتى نشأة الكويت الحديثة كانت قائمة على آبار المياه.
وقال الدويش إن توفر مصادر المياه الجوفية في أرض الكويت لدليل على الاستيطان البشري في المنطقة منذ الألف الخامس قبل الميلاد وعدم انقطاع هذا الوجود البشري سواء استقرار على أطراف الواحات أو مناطق الآبار وما كاظمة في عصرها الإسلامي المبكر إلا مثال على ذلك.
وأضاف «أما موقعا العبيد اللذان تم اكتشافهما في دولة الكويت ولاسيما موقع الصبية فقد كانا كما يبدو صلة الوصل ما بين الموطن الأصلي لحضارة العبيد في وادي الرافدين والأقوام القديمة التي استوطنت على امتداد الساحل الغربي للخليج وأسفله في موقع بحره وموقع طبيج قبل سبعة آلاف عام».
من جانبه، تحدث رئيس الجمعية الكويتية للتراث فهد العبدالجليل عن «الصبية في المصادر التاريخية»، متطرقا إلى كتابات الباحث فرحان الفرحان والباحث والمؤرخ الإنجليزي لوريمر وحمد السعيدان والأديب محمد النبهاني والشيخ عبدالعزيز الرشيد.
وذكر أن هناك العديد من المصادر تحدثت عن آثار منطقة الصبية بسبب مرورها بثلاث مراحل تاريخية مهمة أولها العصر الحجري أو العصر ما قبل التاريخ وشهدت هذه الفترة حضارة العبيد التي امتدت من 4500 إلى 5500 قبل الميلاد والعصر الثاني هو العصر البرونزي والثالث هو العصر الإسلامي.
من جهته، تحدث خبير التراث الطبيعي العالمي وإدارة المحميات الطبيعية د.محمد سامح عن «الإرث الجيولوجي والجيوبارك في الوطن العربي»، وقال إن «الجيوبارك» وهو منطقة جغرافية تركز على الحفاظ على التراث الجيولوجي ولها أهمية عالمية.
وأشار سامح إلى العديد من الأمثلة البارزة من الإرث الجيولوجي في الوطن العربي ومنها موقع جبل سلمى في السعودية ووادي الحيتان في محافظة الفيوم المصرية وغيرها.
بدوره، تحدث رئيس اتحاد الجيولوجيين العرب نقيب الجيولوجيين الأردنيين خالد فياض عن «حماية التراث الطبيعي وتعزيز السياحة الجيولوجية»، مبينا أن التراث الجيولوجي يسجل القصة التراكمية للأرض المحفوظة في صخورها وأشكالها ويتم تمثيله في أماكن خاصة والأشياء التي نجدها في العينات الجيولوجية في الموقع وخارجه في مجموعات المتحف والتي تعتبر أساسية لتقديرنا لتاريخ الأرض وتطور الحياة.
كما تطرق فياض إلى السياحة الجيولوجية قائلا إنها تعد نوعا من السياحة المتخصصة التي تركز على استكشاف ودراسة المواقع الجيولوجية المميزة هدفها ليس فقط تقديم الترفيه إنما أيضا إطلاع الزوار على الجوانب العلمية والتاريخية للأرض.
وتم عقب الندوة القيام بزيارة إلى منطقة الصبية حيث تعتبر هي التجربة الميدانية لما تمت مناقشته في ندوة الإرث الجيولوجي والتاريخي لمنطقة الصبية ويسعى الباحثون من خلالها توحيد الجهود من العلوم المختلفة في الحفاظ على الأرض بمكنوناتها الثرية.