وسط الأزمة مع الصين.. عقيدة اليابان النووية تهدد بتأجيج توتر سياسي جديد في شرق آسيا

تصاعد التوتر في شرق آسيا مع إعلان اليابان عن دراسة مراجعة مبادئها النووية، الأمر الذي أثار قلق الصين بشكل كبير. فقد أعربت الخارجية الصينية، الاثنين، عن قلقها إزاء تصريحات مسؤولين يابانيين بشأن ما يُوصف بـ”عقيدة طوكيو النووية”، محذرة من أن أي تحرك يخرق القانون الدولي قد يهدد الأمن والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يأتي هذا في ظل تصاعد التوتر السياسي بين الجارين على خلفية تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان، ودعوة كوريا الشمالية إلى منع طوكيو من التحول إلى “دولة نووية”.
اليابان ومراجعة المبادئ النووية: تحول استراتيجي محتمل
كان وزير الدفاع الياباني السابق والمشرع البارز في الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم، إتسونوري أونوديرا، قد صرح الأحد، بأن اليابان يجب أن تجري مناقشات متجددة بشأن المبادئ الثلاثة لعدم امتلاك أسلحة نووية، التي التزمت بها البلاد لفترة طويلة. ويأتي هذا الاقتراح في وقت تواصل فيه طوكيو الاعتماد على “المظلة النووية” الأميركية، في إشارة جديدة إلى “تعديلات مرتقبة” في تلك المبادئ. وأضاف أونوديرا، في برنامج تلفزيوني على قناة NHK اليابانية، أنه بينما تلتزم الحكومة بالمبادئ كدليل سياسي، فإن “السؤال هو ما العمل مستقبلاً”.
رد فعل الصين: تحذير من تداعيات خطيرة
ردت الصين على هذه التصريحات بقلق بالغ، مطالبة اليابان بالالتزام بالقانون الدولي ودستورها الوطني، ووقف أي أعمال استفزازية في هذا المجال. وأكدت بكين أن مسألة الأسلحة النووية “ليست ورقة تفاوض سياسية”، يمكن التعامل معها حسب المصالح المؤقتة. المتحدث باسم الخارجية الصينية، قوه جياكون، أوضح أن تصريحات أونوديرا تشير إلى أن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية بشأن تايوان “لم تكن مجرد صدفة”، معتبراً أن “هذا يضر بالسلام والاستقرار الإقليمي والدولي على حد سواء”. وتعتبر الصين أن أي تغيير في سياسة اليابان النووية يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي واستقرار المنطقة.
خلفية المبادئ الثلاثة غير النووية لليابان
اعتمدت اليابان في عام 1967 على “المبادئ الثلاثة غير النووية”، التي تستبعد إنتاج أسلحة نووية، أو حيازتها أو إدخالها إلى حدود البلاد. كما وقعت على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية في فبراير 1970. هذه المبادئ كانت حجر الزاوية في السياسة الأمنية اليابانية لعقود، وتعكس تجربة اليابان المأساوية مع القصف النووي في الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن التغيرات الجيوسياسية الحالية، وتصاعد التهديدات الإقليمية، تدفع البعض في اليابان إلى إعادة النظر في هذه المبادئ.
تطورات مرتبطة بملف الطاقة النووية في اليابان
بالتزامن مع النقاش حول المبادئ النووية، تستعد اليابان لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية في العالم، في منطقة نيجاتا. هذا القرار، الذي من المتوقع أن يصادق عليه الإقليم الاثنين، يثير جدلاً واسعاً حول مستقبل الطاقة النووية في اليابان، خاصة بعد كارثة فوكوشيما. هذه الخطوة تعكس أيضاً رغبة اليابان في تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
موقف كوريا الشمالية: دعوة لمنع تسلح اليابان
لم تقتصر ردود الفعل على الصين، فقد دعت كوريا الشمالية إلى منع طوكيو من التحول إلى “دولة نووية”. واعتبرت بيونغ يانغ أن سعي اليابان لامتلاك أسلحة نووية يمثل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي، وذكّرت اليابان بتاريخها العدواني في الحرب العالمية الثانية. هذا الموقف يعكس التوتر القائم بين البلدين، ويؤكد على أهمية الحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.
المظلة النووية الأميركية: هل ستظل كافية؟
تعتمد اليابان حالياً على “المظلة النووية” الأميركية، التي تعني التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، حتى لو استلزم الأمر استخدام الأسلحة النووية. إلا أن بعض المسؤولين اليابانيين يشككون في موثوقية هذه المظلة، خاصة في ظل التغيرات السياسية في الولايات المتحدة. ويرون أن امتلاك اليابان لقدرات نووية خاصة قد يكون ضرورياً لضمان أمنها القومي. وزير الدفاع الياباني السابق، إتسونوري أونوديرا، أكد أن تجاهل المناقشة النووية دون أي اعتبار هو أمر غير مسؤول سياسياً.
موقف الولايات المتحدة: دعم المظلة النووية
في المقابل، بدا أن الولايات المتحدة تقلل من فكرة امتلاك اليابان أسلحتها النووية الخاصة. وأشادت وزارة الخارجية الأميركية بدور اليابان بوصفها “قائداً عالمياً وشريكاً ثميناً للولايات المتحدة في منع انتشار الأسلحة النووية”، مؤكدة التزامها بتوسيع مظلتها النووية لتشمل حليفتها. هذا الموقف يعكس حرص واشنطن على الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع طوكيو، ومنع أي تصعيد نووي في المنطقة.
الغموض يحيط بمستقبل السياسة النووية اليابانية
في نهاية المطاف، يظل مستقبل السياسة النووية اليابانية غامضاً. رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي امتنعت عن الإفصاح عما إذا كانت سياساتها الدفاعية والأمنية ستلتزم بـ”المبادئ الثلاثة غير النووية”، مما يزيد من المخاوف بشأن توجه اليابان نحو التسلح النووي. من الواضح أن اليابان تواجه خيارات صعبة، وأن أي قرار ستتخذه سيكون له تداعيات كبيرة على الأمن الإقليمي والدولي. مراجعة المبادئ النووية قد تكون نقطة تحول في السياسة الأمنية اليابانية، وتستدعي مراقبة دقيقة من قبل جميع الأطراف المعنية. الوضع يتطلب حواراً بناءً وتجنب أي خطوات استفزازية قد تؤدي إلى تصعيد التوتر في المنطقة. الأمن الإقليمي يعتمد على الحفاظ على الاستقرار وتجنب سباق التسلح. السياسة النووية اليابانية ستشكل مستقبل المنطقة.












