ممارسة التمارين في الصغر تعزز الرشاقة والحركة مع التقدم في العمر

مع التقدم في العمر، قد يلاحظ الكثيرون تباطؤًا في الحركة وانخفاضًا في الرشاقة. لكن الأخبار الجيدة هي أن دراسة علمية حديثة تقدم بصيص أمل، حيث تشير إلى أن التمارين الهوائية يمكن أن تساعد في استعادة هذه القدرات الحركية المفقودة، بل وتحسينها. لا يتعلق الأمر فقط باللياقة البدنية، بل أيضًا بصحة الدماغ، حيث وجدت الدراسة أن الجري يزيد من إفراز مادة الدوبامين، وهي مادة كيميائية حيوية تلعب دورًا هامًا في الحركة والتنسيق.
فوائد التمارين الهوائية للحركة والرشاقة مع التقدم في العمر
أظهرت الأبحاث أن النشاط البدني المنتظم، وخاصة التمارين الهوائية، يمكن أن يكون له تأثير عميق على وظائفنا الحركية مع تقدمنا في العمر. الدراسة التي نشرت في دورية npj Parkinson Disease، والتي أجريت على فئران متوسطة العمر، قدمت أدلة قوية على أن التمارين قادرة على استعادة مستوى معين من اللياقة الحركية الذي غالبًا ما يتراجع مع مرور الوقت.
هذا التحسن لا يقتصر على الحيوانات، بل يمتد ليشمل البشر أيضًا. فمن خلال ممارسة التمارين الهوائية بانتظام، يمكننا الحفاظ على قدرتنا على الحركة والرشاقة، والاستمتاع بنوعية حياة أفضل.
كيف تعمل التمارين الهوائية على تحسين الحركة؟
ركزت الدراسة على فهم الآلية التي من خلالها تزيد التمارين الهوائية من إفراز الدوبامين في الدماغ. الدوبامين هو ناقل عصبي ضروري للحركة، والمكافأة، والذاكرة. وجد الباحثون أن الفئران التي مارست الجري شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات الدوبامين، مما أدى إلى تحسين التنسيق والسرعة.
بنى الفريق البحثي على دراسات سابقة أظهرت نفس التأثير في الفئران الصغيرة، لكن الجديد في هذه الدراسة هو إثبات أن هذه الفوائد تمتد أيضًا إلى الفئران متوسطة العمر، بل وقد تكون أكثر فعالية. الفئران التي مارست الجري كانت قادرة على النزول من عمود أو الانطلاق في ساحة مفتوحة بسرعة ورشاقة أكبر من تلك التي لم تمارس الرياضة.
الدوبامين والتحسن الحركي: علاقة قوية
أظهرت النتائج أن قوة قبضة الفئران لم تتغير بشكل كبير بعد شهر من التمرين، مما يشير إلى أن التحسن في الأداء الحركي لم يكن نتيجة لزيادة القوة العضلية، بل كان ناتجًا عن تعزيز التنسيق الحركي بفضل زيادة إفراز الدوبامين. هذا الاكتشاف مهم لأنه يركز على الجانب العصبي من الحركة، ويوضح كيف يمكن للتمارين أن تؤثر بشكل إيجابي على الدماغ.
تأثير التمارين على صحة الدماغ بشكل عام
تؤكد الباحثة الرئيسية في الدراسة، مارجريت رايس، أن الفوائد الصحية للتمارين لا تقتصر على الشباب. “من خلال الحصول على قدر كافٍ من النشاط البدني، يمكننا تعزيز إفراز الدوبامين، مما يساعد على الحركة بشكل أسرع وأسهل.”
الأبحاث السابقة قد سلطت الضوء على أهمية التمارين الهوائية مثل السباحة، وركوب الدراجات، والرقص في تعزيز إفراز الدوبامين والمواد الكيميائية الأخرى الضرورية لصحة الدماغ. لكن هذه الدراسة تقدم فهمًا أعمق لكيفية تأثير هذه الآليات في الدماغ والجسم المتقدمين في السن، حيث تتراجع الخلايا العصبية المنتجة للدوبامين بشكل طبيعي مع التقدم في العمر.
آثار محتملة على علاج مرض باركنسون
تفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لفهم وعلاج الأمراض التنكسية العصبية مثل مرض باركنسون. مرض باركنسون يتميز بتدهور الخلايا المنتجة للدوبامين، مما يؤدي إلى الرعشة، وبطء الحركة، وضعف التوازن. وقد لوحظ منذ فترة طويلة أن النشاط البدني يساعد المرضى على تخفيف هذه الأعراض.
توضح رايس أن هذه الدراسة تقدم “دليلًا كيميائيًا عصبيًا” يفسر لماذا تساعد التمارين الهوائية في تحسين الذاكرة، والحركة، والمزاج، وهي كلها وظائف تتأثر بمرض باركنسون. ويخطط الفريق البحثي لتكرار هذه التجارب على فئران معدلة وراثيًا لتمثل نماذج أقرب إلى المرض.
الحاجة إلى مزيد من البحث
على الرغم من النتائج الواعدة، تحذر رايس من أن تأثير إفراز الدوبامين الناتج عن التمارين على مرضى باركنسون لا يمكن تأكيده إلا من خلال دراسات مستقبلية على البشر. “نحن بحاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث قبل أن نتمكن من استخلاص استنتاجات نهائية بشأن إمكانات العلاج.”
منهجية الدراسة والنتائج الرئيسية
أجريت الدراسة على مجموعتين من الفئران، إحداهما لديها وصول غير محدود إلى عجلة تدور بحرية، والأخرى أمام عجلة مقفلة. بعد شهر، تم تقييم لياقة الفئران من خلال سلسلة من الاختبارات. أظهرت النتائج أن الفئران التي مارست الجري سجلت ارتفاعًا بنسبة 50% في إفراز الدوبامين في منطقة “المخطط” من الدماغ.
من المثير للاهتمام أن إناث الفئران، على الرغم من أنهن جرت ضعف المسافة التي قطعها الذكور، حققن نفس الارتفاع في مستوى الدوبامين والتحسن في الأداء الحركي. يفسر الباحثون ذلك بوجود “حد كافٍ” من التمرين لتحفيز إفراز الدوبامين، وأن تجاوز هذا الحد لا يؤدي إلى زيادة أكبر في الفائدة.
في الختام، تؤكد هذه الدراسة على أهمية التمارين الهوائية في الحفاظ على كفاءة الدماغ مع التقدم في العمر. إنها تدعم فكرة أن الحركة ليست مجرد وسيلة لتحسين اللياقة البدنية، بل هي أداة قوية لتعزيز الصحة العصبية، وربما للحد من تأثيرات الأمراض التنكسية مثل باركنسون. لذا، ابدأ اليوم في دمج النشاط البدني في روتينك اليومي، واستمتع بفوائده الصحية العديدة.
اقرأ أيضاً:
مفاجأة.. الدماغ البشري “مهيأ مسبقاً” لفهم العالم











