يُعد الخرف من الأمراض العصبيّة التنكسية التي تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة لكبار السنّ وعائلاتهم. وتشير دراسة حديثة وكبيرة إلى أن هناك بصيص أمل في مكافحة هذا المرض، حيث أظهرت نتائجها أن لقاح الهربس النطاقي قد يساهم في تقليل خطر الوفاة لدى المصابين بالخرف، بل وربما يبطئ من تطور المرض نفسه. هذه النتائج المُبشّرة فتحت آفاقاً جديدة للبحث حول إمكانيات الوقاية والعلاج من الخرف باستخدام لقاح مُتاح بالفعل.
دراسة ويلز: نتائج واعدة حول لقاح الهربس النطاقي والخرف
أجريت الدراسة على بيانات حوالي 14 ألف شخص بالغ من العمر في ويلز، تم تشخيصهم بالخرف في المراحل الأولى من برنامج التطعيم الخاص بالهربس النطاقي. وقد استمرت المتابعة مع هؤلاء المرضى لمدة تسع سنوات كاملة، مما يوفر قاعدة بيانات قوية لتحليل دقيق.
وبينت النتائج أن نسبة الوفيات بين المصابين بالخرف كانت تقارب 50% خلال فترة المتابعة. لكن، وبشكل مُلفت، أظهرت المجموعة التي تلقت لقاح زوستافاكس، وهو لقاح مُنتج من قبل شركة ميرك، انخفاضاً بنسبة 30% تقريباً في خطر الوفاة بسبب الخرف مقارنة بالمجموعة التي لم تتلق اللقاح.
نتائج سابقة تدعم الأثر الوقائي للقاح
هذه النتائج تأتي في أعقاب دراسة سابقة أجريت في ويلز أيضاً، وأظهرت أن كبار السنّ الذين تلقوا لقاح زوستافاكس كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة 20% مقارنة بنظرائهم الذين لم يتلقوا اللقاح. هذا يشير إلى أن اللقاح قد يكون له تأثير وقائي على المدى الطويل، لا يقتصر على منع الهربس النطاقي فحسب.
لقاح الهربس النطاقي: إمكانات علاجية محتملة
يشير الدكتور باسكال جيلدسيتزر، المعد الرئيسي للدراسة وأحد الباحثين في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا، إلى أن هذه النتائج هي الأكثر إثارة حتى الآن. ويضيف الدكتور جيلدسيتزر قائلاً: “هذا يشير حقاً إلى أن لقاح الهربس النطاقي قد لا تكون له فوائد وقائية فقط في تأخير الخرف، بل لديه أيضاً إمكانات علاجية للمرضى الذين يعانون بالفعل منه.” هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام دراسات إضافية لاستكشاف إمكانية استخدام اللقاح كعلاج مساعد للخرف، بالإضافة إلى دوره الوقائي.
ما هو الهربس النطاقي ولماذا هذا الارتباط؟
الهربس النطاقي هو عدوى فيروسية تسببها إعادة تنشيط فيروس الحماق النطاقي، وهو نفس الفيروس المسؤول عن جدري الماء. يظهر عادةً على شكل طفح جلدي مؤلم يشبه الحزام على جانب واحد من الجسم. ولكنه لا يقتصر على الأعراض الجلدية، بل قد يتسبب أيضاً في ألم عصبي مزمن.
ولكن، يبقى السؤال: لماذا يرتبط لقاح الهربس النطاقي بالوقاية من الخرف؟ حتى الآن، الآلية الدقيقة لهذا الارتباط غير معروفة.
الآليات المحتملة وراء التأثير الوقائي
يقترح الباحثون عدة آليات محتملة، بما في ذلك:
- تنشيط الجهاز المناعي: قد يؤدي اللقاح إلى تنشيط عام للجهاز المناعي، مما يساعده في مكافحة الالتهابات والأمراض المرتبطة بالتقدم في السن.
- الحد من إعادة تنشيط الفيروس: قد يمنع اللقاح إعادة تنشيط فيروس الحماق النطاقي في الأعصاب، مما قد يقلل من خطر تلف الدماغ المرتبط بالخرف.
- آليات أخرى غير مكتشفة: من الممكن أن يكون هناك آليات أخرى لم يتم تحديدها بعد تلعب دوراً في هذا الارتباط.
تحديث اللقاحات: شينجريكس ومستقبل الحماية من الخرف
تجدر الإشارة إلى أن لقاح زوستافاكس، الذي استخدم في دراسات ويلز، قد تم استبداله في العديد من البلدان بلقاح أحدث وأكثر فعالية هو شينجريكس، الذي تنتجه شركة جلاكسو سميث كلاين. وقد تبين أن الحماية من الهربس النطاقي التي يوفرها زوستافاكس تتضاءل بمرور الوقت، في حين يوفر شينجريكس حماية أطول وأكثر استدامة.
يثير هذا التغيير تساؤلات حول ما إذا كان شينجريكس سيكون أيضاً فعالاً في الحد من آثار الخرف، أو حتى أكثر فعالية من زوستافاكس. يقول الباحثون إنهم يواصلون تحليل البيانات من دراسات أخرى في دول مثل إنجلترا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وتشير النتائج الأولية إلى وجود إشارة وقائية مماثلة ضد الخرف.
الخلاصة: أمل جديد في مكافحة الخرف
تُظهر الدراسات الحديثة، خاصةً تلك التي أُجريت في ويلز، نتائج واعدة حول إمكانية استخدام لقاح الهربس النطاقي في الوقاية من الخرف وربما تأخير تطوره لدى المرضى الذين يعانون بالفعل منه. على الرغم من أن الآلية الدقيقة لهذا التأثير لا تزال غير معروفة، إلا أن هذه النتائج تمثل بارقة أمل جديدة في البحث عن طرق فعالة لمكافحة هذا المرض المُدمر.
يستمر البحث والتطوير في هذا المجال، وننتظر بفارغ الصبر المزيد من الدراسات التي قد تساعد في فهم أفضل لهذا الارتباط وتحديد دور اللقاحات في مستقبل علاج الخرف والوقاية منه. نحث القراء على استشارة أطبائهم للحصول على معلومات واضحة حول لقاحات الهربس النطاقي وأهميتها في الحفاظ على صحتهم، خاصة مع التقدم في العمر.
الكلمات المفتاحية الثانوية:
- أمراض الشيخوخة
- الصحة العصبية
- الوقاية من الأمراض
