دراسة تربط بين “السمنة البطنية” وحدوث ضرر في بنية القلب

أصبحت السمنة البطنية تحديًا صحيًا متزايدًا في عالمنا اليوم، وتتجاوز آثارها مجرد زيادة الوزن الظاهرة. فقد كشفت دراسة علمية حديثة عن ارتباط وثيق بين تراكم الدهون في منطقة البطن وتغيرات أكثر ضررًا في بنية القلب مقارنة بالزيادة العامة في وزن الجسم، خاصةً لدى الرجال. هذه التغيرات، إذا لم يتم التعامل معها في الوقت المناسب، قد تتطور تدريجيًا إلى قصور في وظائف القلب، مما يستدعي الانتباه والتدخل المبكر.
ما هي السمنة البطنية وتأثيرها على القلب؟
أظهرت الأبحاث التي قدمها باحثون في اجتماع الجمعية الإشعاعية لأميركا الشمالية أن السمنة البطنية ليست مجرد مشكلة جمالية، بل هي مؤشر خطر على صحة القلب. تتميز هذه الحالة بتراكم الدهون حول الأعضاء الداخلية في البطن، وهي دهون حشوية أكثر خطورة من الدهون الموجودة تحت الجلد. تؤدي هذه الدهون إلى نمط مرضي معين في إعادة تشكيل القلب يُعرف بالتضخم المركزي.
التضخم المركزي: تغيرات هيكلية دقيقة
التضخم المركزي يعني زيادة سمك عضلة القلب دون زيادة في حجمه الكلي. هذا بدوره يؤدي إلى تقلص حجم حجرات القلب، وبالتالي انخفاض كمية الدم التي يضخها القلب مع كل نبضة. الأمر المقلق هو أن هذه التغيرات قد تكون دقيقة ولا تظهر أعراضًا واضحة في المراحل المبكرة، مما يجعل الكشف المبكر أمرًا بالغ الأهمية. تساعد تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي القلبي المتقدمة في الكشف عن هذه التغيرات قبل أن تتفاقم.
لماذا الرجال أكثر عرضة للخطر؟
أشارت الدراسة إلى أن تأثير السمنة البطنية على القلب يبدو أكثر حدة لدى الرجال مقارنة بالنساء. قد يعزى ذلك إلى عدة عوامل، بما في ذلك ظهور السمنة البطنية في وقت أبكر وبحدة أكبر لدى الرجال، أو الدور الوقائي المحتمل لهرمون الإستروجين لدى النساء. ومع ذلك، تؤكد الدراسة على الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لفهم هذه الفروق بشكل كامل. بغض النظر عن الجنس، فإن التركيز على تقليل الدهون الحشوية يعتبر أمرًا ضروريًا للحفاظ على صحة القلب.
نتائج الدراسة: أرقام وإحصائيات
حلل الباحثون بيانات 2244 بالغًا تتراوح أعمارهم بين 46 و78 عامًا في ألمانيا، ولم يكن لديهم تاريخ من أمراض القلب. كشفت النتائج أن 69% من الرجال و56% من النساء كانوا يعانون من زيادة الوزن أو السمنة وفقًا لمؤشر كتلة الجسم (BMI). ولكن، عند استخدام نسبة محيط الخصر إلى الورك كمقياس، ارتفعت نسبة السمنة بشكل ملحوظ، حيث وصلت إلى 91% بين الرجال و64% بين النساء. هذه الزيادة الكبيرة تؤكد أن السمنة البطنية أكثر انتشارًا مما قد تشير إليه مؤشرات الوزن التقليدية.
السمنة البطنية مقابل السمنة العامة: ما الفرق؟
أظهرت الدراسة أن السمنة العامة، التي تقاس بمؤشر كتلة الجسم، غالبًا ما ترتبط بتوسع حجرات القلب. في المقابل، ترتبط السمنة البطنية بسماكة عضلة القلب وانخفاض حجم حجراته الداخلية. هذا الاختلاف في التأثيرات يشير إلى أن الدهون الحشوية لها تأثير فريد ومباشر على بنية القلب ووظيفته. كما أظهرت الدراسة أن التغيرات البنيوية كانت أكثر وضوحًا في البطين الأيمن لدى الرجال، مما قد يشير إلى تأثير الدهون البطنية على التنفس وضغط الرئتين.
قياس السمنة البطنية: أداة بسيطة في متناول الجميع
لا يتطلب تقييم خطر السمنة البطنية معدات معقدة أو زيارة الطبيب. يمكن لأي شخص قياس نسبة محيط الخصر إلى الورك في المنزل باستخدام شريط قياس بسيط. يتم ذلك عن طريق قسمة محيط الخصر (عند أضيق نقطة) على محيط الورك (عند أوسع نقطة). وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية، تعتبر النسبة التي تتجاوز 0.90 لدى الرجال و0.85 لدى النساء مؤشرًا على السمنة البطنية وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب.
التدخل المبكر: مفتاح الحفاظ على صحة القلب
تؤكد الدراسة على أهمية التدخل المبكر لمنع تطور التغيرات القلبية المرتبطة بـ السمنة البطنية. يشمل ذلك اتباع نظام غذائي متوازن وغني بالعناصر الغذائية، وممارسة النشاط البدني بانتظام، واللجوء إلى التدخل الطبي إذا لزم الأمر. كما تدعو الدراسة الأطباء إلى أن يكونوا أكثر وعيًا بالصلة بين السمنة البطنية والتغيرات القلبية البنيوية، وأن يضعوا ذلك في الاعتبار عند تقييم مخاطر القلب لدى المرضى.
نحو سياسات صحية عامة أكثر فعالية
بالنظر إلى الانتشار المتزايد لـ السمنة البطنية، خاصةً بين الرجال في منتصف العمر، تدعو الدراسة إلى تبني سياسات صحية عامة تستهدف هذه المشكلة تحديدًا. يشمل ذلك نشر ثقافة النشاط البدني، ودعم البيئات الصحية داخل العمل وخارجه، وتوفير برامج تغذية عملية وميسورة التكلفة. الاستثمار في هذه التدابعات الوقائية يمكن أن يوفر على منظومات الرعاية الصحية تكاليف طويلة الأمد ناتجة عن علاج أمراض القلب المتقدمة.
في الختام، تُظهر هذه الدراسة أن السمنة البطنية تمثل خطرًا صحيًا كبيرًا على القلب، وأن التدخل المبكر هو أفضل طريقة للحماية من هذا الخطر. من خلال زيادة الوعي بأهمية قياس نسبة محيط الخصر إلى الورك، وتبني نمط حياة صحي، يمكننا جميعًا المساهمة في الحفاظ على صحة قلوبنا وتحسين نوعية حياتنا. لا تتردد في استشارة طبيبك لتقييم خطر الإصابة بالسمنة البطنية ووضع خطة مناسبة للوقاية والعلاج.











