دراسة استمرت 25 سنة: الجبن كامل الدسم ربما يقلل خطر الإصابة بالخرف

تعتبر الصحة الإدراكية والحفاظ على الذاكرة من أهم جوانب جودة الحياة، ومع التقدم في العمر، يزداد القلق بشأن خطر الإصابة بالخرف. دراسة حديثة أثارت جدلاً واسعاً، حيث كشفت عن ارتباط مثير للاهتمام بين استهلاك منتجات الألبان الغنية بالدهون، وبالتحديد الجبن كامل الدسم والقشدة، وانخفاض احتمالية الإصابة بالخرف. هذه النتائج، المنشورة في دورية Neurology المرموقة، لا تعني بالضرورة وجود علاقة سببية مباشرة، ولكنها تفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث حول تأثير التغذية على صحة الدماغ. في هذا المقال، سنتناول تفاصيل هذه الدراسة، ونتائجها، وقيودها، وماذا تعني هذه المعلومات بالنسبة لك.
دراسة جديدة تربط بين الجبن كامل الدسم وتقليل خطر الخرف
نشرت الأكاديمية الأميركية لطب الأعصاب نتائج دراسة مهمة في دورية Neurology، والتي فحصت بيانات أكثر من 27 ألف شخص في السويد على مدى 25 عاماً. ركزت الدراسة على العلاقة بين استهلاك منتجات الألبان المختلفة وخطر الإصابة بالخرف. أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين تناولوا 50 جراماً أو أكثر يومياً من الجبن كامل الدسم (مثل الشيدر والبري) – أي ما يعادل شريحة ونصف تقريباً – سجلوا انخفاضاً بنسبة 13% في خطر الإصابة بالخرف مقارنة بأولئك الذين تناولوا أقل من 15 جراماً يومياً.
القشدة عالية الدسم وفوائدها المحتملة
لم يقتصر الأمر على الجبن، بل أظهرت الدراسة أيضاً أن استهلاك 20 جراماً أو أكثر يومياً من القشدة عالية الدسم (بنسبة دهون تتراوح بين 30 و 40%) ارتبط بانخفاض خطر الإصابة بالخرف بنسبة 16% مقارنة بمن لم يستهلكوا القشدة. هذه النتائج مثيرة للدهشة، خاصةً في ظل الاعتقاد السائد بأن الدهون المشبعة قد تكون ضارة بصحة الدماغ.
أنواع الخرف التي قد تتأثر
بعد تحليل البيانات وضبطها وفقاً لعوامل مثل العمر والجنس والتعليم والنظام الغذائي العام، وجد الباحثون أن تناول الجبن كامل الدسم يرتبط أيضاً بانخفاض خطر الإصابة بالخرف الوعائي بنسبة 29%. بالإضافة إلى ذلك، لوحظ انخفاض في خطر الإصابة بمرض ألزهايمر لدى الأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر من الجبن كامل الدسم، ولكن هذا التأثير كان أكثر وضوحاً لدى الأفراد الذين لا يحملون المتغير الجيني APOE e4، وهو جين معروف بزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر. هذا يشير إلى أن تأثير الجبن قد يختلف باختلاف التركيبة الجينية للفرد.
لماذا قد يكون الجبن مفيداً للدماغ؟
على الرغم من أن الدراسة لا تثبت سبباً ونتيجة، إلا أنها تثير تساؤلات مهمة حول الآليات المحتملة التي قد تفسر هذه العلاقة. يعتقد الباحثون أن الدهون الموجودة في الجبن قد تلعب دوراً في حماية خلايا الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي الجبن على عناصر غذائية أخرى مهمة مثل الكالسيوم وفيتامين B12، والتي قد تساهم في صحة الدماغ. من المهم التأكيد على أن هذه مجرد فرضيات تحتاج إلى مزيد من البحث والتأكيد. فهم الخرف وأسبابه يتطلب دراسات معمقة.
قيود الدراسة وتفسير النتائج
من الضروري النظر في قيود هذه الدراسة عند تفسير النتائج. أولاً، اقتصرت الدراسة على المشاركين من السويد، مما قد يحد من إمكانية تعميم النتائج على مجتمعات أخرى ذات أنماط غذائية مختلفة. ثانياً، اعتمدت الدراسة على بيانات الملاحظة الذاتية حول استهلاك الألبان، والتي قد تكون عرضة للتحيز. ثالثاً، كما ذكرت الباحثة الرئيسية، إميلي سونيستيدت، من جامعة لوند، فإن النتائج تظهر ارتباطاً إحصائياً فقط، ولا تعني أن تناول الجبن أو القشدة يمنع الخرف بشكل مباشر.
ليست كل منتجات الألبان متساوية
أشارت الدراسة أيضاً إلى أنه لم يتم العثور على أي ارتباط بين خطر الخرف وتناول منتجات الألبان قليلة الدسم، أو الحليب كامل أو قليل الدسم، أو الزبدة، أو الحليب المخمر مثل الزبادي والكفير. وهذا يدعم فكرة أن نوع الدهون الموجودة في منتجات الألبان قد يكون له تأثير مختلف على صحة الدماغ. كما أكدت سونيستيدت أن “ليس كل منتجات الألبان متساوية عندما يتعلق الأمر بصحة الدماغ”.
مستقبل الأبحاث حول التغذية وصحة الدماغ
تعتبر هذه الدراسة خطوة مهمة في فهم العلاقة المعقدة بين التغذية وصحة الدماغ. ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج وفهم الآليات البيولوجية التي قد تفسرها. من المهم إجراء دراسات سريرية عشوائية للتحقق مما إذا كان تناول الجبن كامل الدسم أو القشدة يمكن أن يقلل بالفعل من خطر الإصابة بالخرف. بالإضافة إلى ذلك، يجب استكشاف تأثير أنواع مختلفة من الجبن والقشدة، وكذلك تأثير الجرعات المختلفة. الوقاية من أعراض الخرف تتطلب اتباع نمط حياة صحي شامل.
في الختام، تقدم هذه الدراسة رؤى جديدة ومثيرة للاهتمام حول العلاقة بين استهلاك منتجات الألبان الغنية بالدهون وخطر الإصابة بالخرف. على الرغم من أن النتائج لا تثبت سبباً ونتيجة، إلا أنها تشير إلى أن الجبن كامل الدسم والقشدة قد يكون لهما دور وقائي محتمل. من الضروري إجراء المزيد من الأبحاث لتأكيد هذه النتائج وفهم الآليات الكامنة وراءها، ولكن في الوقت الحالي، يمكن اعتبار هذه النتائج بمثابة نقطة انطلاق لمزيد من الاستكشاف في مجال التغذية وصحة الدماغ. لا تتردد في استشارة طبيبك أو أخصائي التغذية للحصول على نصائح مخصصة حول النظام الغذائي المناسب لك.












