باحثون يطورون أداة بالذكاء الاصطناعي تتنبأ بالجلطات القلبية

الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالأحداث القلبية: ثورة في تشخيص الذبحة الصدرية
أحدثت الأبحاث الطبية تطوراً هاماً في مجال صحة القلب، حيث نجح باحثون في مستشفى ليفربول البريطاني في تطوير أداة جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بدقة بالأحداث القلبية المستقبلية، وعلى رأسها الجلطات، لدى المرضى الذين يعانون من الذبحة الصدرية المستقرة. هذه الأداة المبتكرة، التي تم عرض نتائجها في المؤتمر الرئيسي للرابطة الأوروبية لتصوير القلب والأوعية الدموية، تمثل خطوة كبيرة نحو تحسين الرعاية الصحية الوقائية للمرضى المعرضين للخطر. تعتمد الأداة على تحليل بيانات دقيقة حول تدفق الدم في الشرايين التاجية، مما يوفر رؤى أعمق من الطرق التشخيصية التقليدية.
أهمية تدفق الدم في الشرايين التاجية وصحة القلب
يعتبر تدفق الدم في الشرايين التاجية عنصراً حيوياً لصحة القلب، فهو يمثل كمية الدم المحملة بالأكسجين والمواد الغذائية التي تصل إلى عضلة القلب، مما يضمن عملها بكفاءة. أي انخفاض في هذا التدفق، نتيجة لتضيق أو انسداد الشرايين، يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض مزعجة مثل الذبحة الصدرية، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية أو ضعف عضلة القلب على المدى الطويل. فهم ديناميكية تدفق الدم أمر بالغ الأهمية لتشخيص وعلاج أمراض القلب بشكل فعال.
الذبحة الصدرية المستقرة وتشخيصها: دور الأشعة المقطعية
الذبحة الصدرية المستقرة هي حالة شائعة تتميز بنوبات متكررة ومؤقتة من الألم أو الضغط في الصدر، تحدث عادةً أثناء المجهود البدني أو الإجهاد العاطفي. تُستخدم الأشعة المقطعية التاجية كأداة أولية لتشخيص مرض الشريان التاجي المستقر، حيث توفر صوراً تفصيلية للشرايين التاجية وتساعد في تحديد أي انسدادات موجودة.
قيود الأشعة المقطعية التقليدية
على الرغم من دقة الأشعة المقطعية في تحديد الانسدادات، إلا أنها تواجه بعض القيود في تقييم تدفق الدم الفعلي. فالأشعة المقطعية التقليدية قد لا تكون قادرة على تقدير مدى تأثير الانسداد على تدفق الدم إلى عضلة القلب بدقة كافية، وهو أمر ضروري لتحديد شدة الذبحة الصدرية وتقييم المخاطر المستقبلية.
أداة الذكاء الاصطناعي: تحليل دقيق لتدفق الدم
لمعالجة هذه القيود، قام الباحثون بتطوير أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي قادرة على تحليل صور الأشعة المقطعية وتقدير تدفق الدم بدقة عالية. تعتمد هذه الأداة على مفهوم “الاحتياطي الجبهي للتدفق المقطعي”، وهو مقياس لمدى قدرة الشرايين التاجية على زيادة تدفق الدم استجابةً للمجهود. من خلال توفير تقدير دقيق لهذا الاحتياطي، يمكن للأداة أن تساعد الأطباء في اتخاذ قرارات تشخيصية أكثر استنارة وتقليل الحاجة إلى إجراء فحوصات إضافية، سواء كانت غازية أو غير غازية.
نتائج الدراسة: قوة التنبؤ لتدفق الدم
شملت الدراسة الواسعة 7836 مريضاً خضعوا لتصوير بالأشعة المقطعية، بمتوسط عمر 63 عاماً، حيث مثلت النساء حوالي 37.4% من المشاركين. خلال فترة متابعة استمرت حوالي 3.1 سنوات، تم تسجيل 191 حالة احتشاء في عضلة القلب (نوبة قلبية)، و1573 عملية إعادة تروية (لفتح الشرايين المسدودة)، بالإضافة إلى 74 حالة وفاة ناجمة عن أسباب قلبية و261 حالة وفاة لأي سبب آخر.
أظهرت النتائج ارتباطاً قوياً بين قياسات تدفق الدم في الشرايين التاجية وزيادة معدلات الأحداث القلبية. فقد تبين أن المرضى الذين يعانون من تدفق دم منخفض كانوا أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والوفاة مقارنة بالمرضى الذين يتمتعون بتدفق دم طبيعي. على وجه التحديد، كان المرضى الذين سجلوا أدنى قيم لتدفق الدم أكثر عرضة للإصابة بالنوبة القلبية بأربعة أضعاف، وخطر الوفاة نتيجة للنوبة القلبية بثلاثة أضعاف.
تجاوز عوامل الخطر التقليدية
الأهم من ذلك، أن الدراسة وجدت أن انخفاض تدفق الدم في الشرايين التاجية يرتبط بزيادة المخاطر بشكل مستقل عن عوامل الخطر القلبية التقليدية مثل العمر والجنس وارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع الدهون في الدم. وهذا يعني أن قياس تدفق الدم يمكن أن يوفر معلومات إضافية قيمة حول خطر الإصابة بأمراض القلب، حتى لدى المرضى الذين لا يعانون من عوامل خطر تقليدية.
مستقبل تقييم المخاطر القلبية
تُعد هذه الدراسة أول دليل قاطع على القوة التنبؤية لقياس تدفق الدم في الشرايين التاجية، مما يفتح الباب أمام تقييم شخصي أكثر دقة للمخاطر القلبية. من خلال الاعتماد على هذه الأداة الجديدة، يمكن للأطباء تحديد المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية أو الوفاة وتقديم علاجات مخصصة ومكثفة لهم، مما قد يؤدي إلى تحسين كبير في نتائج الرعاية الصحية. إن استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات تدفق الدم يمثل نقلة نوعية في مجال تشخيص وعلاج أمراض القلب، ويعد بمستقبل أكثر أماناً وصحة لمرضى القلب حول العالم.











