ابتكار ياباني يعيد تشكيل طرق تشخيص وعلاج سرطان الرئة

ابتكر باحثون من جامعة أوساكا اليابانية طريقة طبية متقدمة من المتوقع أن تعيد تشكيل طرق تشخيص سرطان الرئة وعلاجها خلال السنوات المقبلة. هذا الاكتشاف يمثل بارقة أمل في مواجهة هذا المرض الخطير، خاصة مع التحديات التي تواجه الوصول إلى الأورام الصغيرة في المراحل المبكرة. تطوّر الباحثون تقنية جديدة بالمنظار تحمل اسم “التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون” كطريقة تتيح الوصول إلى الأورام الصغيرة المختبئة في أعماق الرئة بطريقة آمنة، مباشرة، ودون الحاجة إلى أدوات جراحية معقدة.
أهمية التشخيص المبكر لسرطان الرئة
يمثّل سرطان الرئة أحد أخطر أنواع السرطانات وأكثرها تسبباً في الوفيات على مستوى العالم. وعلى الرغم من أن فحوص الأشعة المقطعية منخفضة الجرعة قد ساهمت في رفع نسب اكتشاف الأورام الصغيرة مبكراً، إلا أن الوصول المباشر إلى هذه العقد الطرفية في الرئة للحصول على خزعة دقيقة ظل تحدياً كبيراً.
تكمن المشكلة في الطبيعة التشريحية للشعب الهوائية، التي تتفرع تدريجياً إلى قنوات أضيق وأكثر تعقيداً كلما اقتربت من حواف الرئة. هذا يجعل المناظير التقليدية عاجزة عن التقدم بما يكفي للوصول إلى موضع الورم، مما يضطر الأطباء للتوقف قبل الهدف بعدة سنتيمترات، وهو ما يؤثر سلباً على جودة التشخيص وخيارات العلاج. الدقة في أخذ الخزعة أمر بالغ الأهمية لتحديد نوع الورم بدقة وبالتالي اختيار العلاج الأنسب.
تقنية التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون: حل مبتكر
بدلاً من محاولة تطوير منظار أرفع، وهو نهج لم ينجح كثيراً في السابق، رأى فريق جامعة أوساكا أن الحل يكمن في توسيع الطريق نفسه. ومن هنا نشأت فكرة تقنية التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون.
تعتمد هذه الطريقة على إدخال قسطرة رفيعة للغاية تحمل في طرفها بالوناً صغيراً. يتم توجيه القسطرة عبر الشعبة الهوائية حتى تصل إلى النقطة التي يبدأ عندها التضيق. عندها، يُنفخ البالون بشكل مدروس بهدف توسيع الشعبة الهوائية بشكل مؤقت، لخلق ممر أوسع يسمح للمنظار بالتقدم إلى عمق أبعد داخل الرئة، وصولاً إلى الآفة المراد فحصها. هذه العملية تجرى بعناية فائقة لتجنب أي ضرر للرئة.
أول نظام متكامل ونتائج واعدة
لم تكن محاولات استخدام أساليب مشابهة لتحسين الوصول إلى الأورام الصغيرة في الرئة جديدة، ولكن تقنية التوصيل بالمنظار بمساعدة البالون تُعد أول نظام متكامل وعملي يثبت فاعليته وسلامته في تجربة سريرية حقيقية.
في التجربة السريرية الأولى على البشر، نجح الفريق في الوصول إلى آفات صغيرة يصل قطرها إلى أقل من 20 ملم. هذا إنجاز بالغ الأهمية، حيث أن الأورام الصغيرة غالباً ما تكون قابلة للعلاج إذا شُخّصت مبكراً. كما أثبتت التجربة أن توسيع الشعب الهوائية باستخدام هذا البالون الدقيق لا يتسبب في أذى للرئة، ولا يؤدي إلى مضاعفات خطيرة.
مستقبل العلاج والتشخيص: أثر التقنية على المدى الطويل
يؤكد الباحثون أن استخدام البالون لتوسيع المسار يُعد تحولاً في فلسفة التعامل مع الشعب الهوائية، إذ يعتمد على تدخل بسيط للغاية، منخفض التكلفة نسبياً، ولا يحتاج إلى أجهزة معقدة، ما يجعل التقنية قابلة للاعتماد عليها في المؤسسات الطبية المختلفة. هذه السهولة في التطبيق تُعد ميزة كبيرة لتعميم الاستفادة منها.
من المتوقع أن يؤدي هذا التطور إلى تحسين كبير في دقة التشخيص. وذلك لأن قرب المنظار من مكان الورم يسمح بأخذ خزعة أكثر دقة، مما يقلل من نسبة العينات غير الحاسمة أو السلبية الكاذبة. هذا بدوره يزيد قدرة الأطباء على تحديد نوع الورم مبكراً وتوجيه المريض إلى العلاج الأنسب.
بالإضافة إلى ذلك، قد تمهد هذه التقنية الطريق لعلاجات مستقبلية تقدم مباشرة إلى الورم بالمنظار، دون الحاجة لعمليات جراحية كبيرة. يمكن تنفيذ إجراءات علاجية طفيفة التداخل مثل الكي الموضعي، أو العلاج الضوئي الديناميكي، أو حقن الأدوية مباشرة داخل الآفة، مما يفتح الباب أمام نموذج علاجي جديد تماماً لـ سرطان الرئة في مراحله المبكرة. وبشكل عام، فإن هذا التقدم يضع أساسًا لـ علاج سرطان الرئة بطرق أقل توغلاً وأكثر فعالية.
رؤى الخبراء وتطلعات مستقبلية
أعرب الدكتور أتسوشي كومانوجو، المؤلف المشارك في الدراسة، عن أن التقنية هي “تكنولوجيا يابانية خالصة” نتجت عن تعاون وثيق بين الجامعات والقطاع الصناعي. وأضاف أن التجربة السريرية أثبتت “فاعلية وسلامة هذه الطريقة الجديدة”، وأن القدرة على الوصول إلى مناطق داخل الرئة لم يكن بالإمكان الاقتراب منها من قبل “سيكون لها أثر كبير في توسيع خيارات التشخيص والعلاج الطفيف التدخل لأورام الرئة المبكرة”.
ويرى الخبراء أن تطوير هذه التقنية لا يقتصر على تحسين دقة تشخيص سرطان الرئة، ولكنه يمثل أيضاً تطوراً مفصلياً في قدرة المناظير على تجاوز القيود التشريحية الطبيعية. إذا استمرت الدراسات في إثبات فاعليتها، فمن المرجح أن تصبح هذه التقنية جزءاً أساسياً من بروتوكولات فحص الرئة في المستقبل، خصوصاً في ظل التوسع المتزايد في برامج الكشف المبكر.
اقرأ أيضاً: أداة إلكترونية تفاعلية جديدة قد تساعد في خفض وفيات سرطان الرئة.
هذا الابتكار الياباني يمثل خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً لمرضى سرطان الرئة، ويؤكد على أهمية البحث والتطوير المستمر في مجال الطب.











