معرض الكويت الدولي الـ 48 للكتاب يطرح رحلة الرواية من الورق إلى الكاميرا

في رحاب التحويل الإبداعي: الرواية السينمائية بين الأدب والصورة
شهد المقهى الثقافي في معرض الكويت الدولي الـ48 للكتاب جلسة حوارية استثنائية، تركزت حول موضوع الرواية السينمائية، وكيف يتحول الأدب إلى لغة بصرية آسرة. أدارت الجلسة ريم الهاجري، واستضافت الروائيتين السعوديتين د.زينب الخضيري ونور عبدالمجيد، حيث أثراء النقاش بتجاربهما ورؤاهما العميقة حول هذا التحول الساحر، والتحديات التي تواكب عملية تحويل الكلمات المكتوبة إلى مشاهد حية. هذه الجلسة لم تكن مجرد نقاش أدبي، بل كانت استكشافًا للعلاقة المتشابكة بين هذين الفنين الجميلين، وكيف يمكن لكل منهما أن يعزز الآخر.
الرواية السينمائية: ولادة جديدة للعمل الأدبي
أكدت كلا الروائيتين على أن تحويل الرواية إلى عمل سينمائي يمثل فرصة لـ “ولادة جديدة” للعمل الأدبي، حيث يكتسب حيوية إضافية ويصل إلى جمهور أوسع بكثير من مجرد القراء. د.زينب الخضيري أوضحت أن هذه العملية ليست مجرد نسخ ولصق، بل هي “رحلة دقيقة” تتطلب فهمًا عميقًا لروح النص، وفن ترجمة العوالم الداخلية إلى صور بصرية.
صعوبة الانتقال من النص إلى الصورة
أشارت د. الخضيري إلى أن الرواية تمنح القارئ مساحة واسعة للخيال، بينما يضع الفيلم الشخصيات في إطار محدد، مما قد يقيد تصور المشاهد. هذه النقطة الحساسة تتطلب مهارة فائقة من المخرج لفهم رؤية الكاتب الأصلية، وتقديمها بطريقة مرئية تحترم جوهر النص. ومع ذلك، أكدت أن الكاتب يلعب دورًا محوريًا كمستشار في العمل السينمائي، يحرص على الحفاظ على الشخصيات والفكرة الأساسية.
التعاون والتكامل: مفتاح نجاح التحويل
أبدت الروائيتان اتفاقًا على أهمية التعاون والتكامل بين جميع أطراف العمل السينمائي، بدءًا من الكاتب والمخرج، وصولًا إلى الممثلين والمصورين. نور عبدالمجيد، قارنت دور الكاتب بدور الأم التي تسعى جاهدة لضمان وصول ابنائها إلى بر الأمان، مؤكدة أن السينما تحتاج إلى تضافر جهود فريق كامل لتحقيق الهدف المنشود.
التخلي عن السيطرة والتقبل للتغيير
تجربتها الشخصية كشفت لها أن “التسليم” لإبداعات فريق العمل غالبًا ما يمنح الرواية حياة جديدة وأبعادًا إضافية. هذا لا يعني التنازل عن الرؤية الفنية، بل يعني الاعتراف بأن السينما فن مستقل بذاته، يتطلب لغة وأدوات خاصة به. وشددت على أن الأعمال السينمائية المستوحاة من الروايات يمكن أن تخلد النص الأدبي، وتوسع دائرة جمهوره.
الأدب الرقمي والتفاعلي وتأثيره على الرواية السينمائية
مع تطور المشهد الثقافي وظهور الأدب الرقمي والتفاعلي، يجد الكاتب نفسه أمام تحديات وفرص جديدة. د. الخضيري أشارت إلى أن الكاتب الذي يكتب للعمل السينمائي غالبًا ما يكتب ضمن شروط محددة، ولكنه في الوقت نفسه يجب أن يحافظ على رؤيته الفنية. الكتابة السينمائية تتطلب فهمًا لآليات السرد البصري، وقدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر من خلال الصور والحوارات.
الصبر والإصرار: وقود الإبداع
كما شددت على أهمية الثبات والإصرار، مؤكدة أن الإيمان بالأفكار والموهبة، والمثابرة في العمل، هي من أهم عوامل النجاح في هذا المجال. فمسيرة تحويل الرواية إلى فيلم غالبًا ما تكون طويلة وشاقة، وتتطلب الكثير من الجهد والمثابرة. الإنتاج السينمائي القائم على الروايات يحتاج لتشجيع ودعم مستمر من المؤسسات الثقافية والجهات المعنية. سعي الكاتب لتوصيل فنه ورسالته، مع الحفاظ على المبادئ، هو جوهر هذا النجاح.
العلاقة التكاملية بين الكاتب والمخرج
أكدت كل من الخضيري وعبدالمجيد أن العلاقة بين الكاتب والمخرج يجب أن تكون تكاملية، مبنية على الاحترام المتبادل والتفاهم العميق. يجب أن يدرك المخرج أن الكاتب هو صاحب الرؤية الأصلية، بينما يملك المخرج الأدوات والمهارات اللازمة لتحويل هذه الرؤية إلى واقع مرئي. هذه العلاقة، جنبًا إلى جنب مع إبداع فريق العمل بأكمله، تمنح القارئ والجمهور فرصًا جديدة للتفاعل مع النص، وتبرز عبقرية الكاتب في لغته، وعبقرية المخرج في تحويل النص إلى مشهد حي. السينما المقتبسة من الروايات يمكن أن تكون تجربة غنية ومثمرة للجميع.
في الختام، يمكن القول إن الجلسة الحوارية في معرض الكتاب سلطت الضوء على أهمية الرواية السينمائية كحقل إبداعي يزخر بالفرص والتحديات. إنها عملية تحويلية تتطلب مهارة وشغفًا وتعاونًا، والنتيجة يمكن أن تكون عملًا فنيًا يلامس القلوب والعقول، ويساهم في إثراء المشهد الثقافي. ندعو القراء والمهتمين إلى مواصلة استكشاف هذا العالم الساحر، وتشجيع الأعمال السينمائية المستوحاة من الروايات العربية الأصيلة.












