غيمـة كاذبـة قصص واقعية لتجارب إنسانية أبدعتها رشا الضامن

يوسف غانم
بعد رواية «بدر لم يكتمل» عام 2022، والمجموعة القصصية «همس الخطوات» في 2023، ورواية «براشوت» عام 2024، وبعد أن صدر لها كتاب «الصحافة الكويتية في ظل الثورة الرقمية» عام 2020، جاء إصدار المجموعة القصصية «غيمة كاذبة» عن دار قرطاس للنشر والتوزيع للكاتبة د.رشا الضامن، التي تضم أربع عشرة قصة قصيرة، وتتناول العلاقات الإنسانية وما تمر به من لحظات الخيبة والخذلان.
وتصف المجموعة القصصية «غيمة كاذبة» المشاعر الانسانية في مواقف مختلفة يمر بها أبطال القصص القصيرة التي تضمها، ويشير عنوانها «غيمة كاذبة» إلى الوعود والآمال المعلقة والأحلام وتوقعات الإنسان التي قد لا تتحقق في أحيان كثيرة في حياتنا، إنها قصص من واقع الحياة وتجارب بعض من عاشوها بشخصياتهم المختلفة.
فهناك «فرصة لأمطار متفرقة»، وهل ندرك قيمة القوة في مواجهة العراقيل التي تواجهنا في حياتنا وتلك الظروف الصعبة التي تخلق منا أشخاصاً آخرين يمكننا من خلال غربلة الشوائب أن نرمم الانكسارات بداخلنا، وصولاً إلى توظيف ما نملكه من ساعات وطاقات في حياتنا المقبلة لأن الحياة تستحق منا أن نبذل طاقاتنا لأيام جميلة قادمة نصنعها بإرادتنا.
كما يمنح كل منا بعدا رمزيا غنيا لسقف التوقعات التي قد ينخدع الإنسان بوهم تحقيقه، كغيمة تنذر بسقوط الأمطار، لكنها تخلف بوعدها، فلا تحمل في جعبتها قطرات المطر. يعيش أبطال هذه القصص القصيرة في المجموعة القصصية «غيمة كاذبة» تجارب إنسانية تستحق التأمل، باعتبارها تخوض اختبارات حياتية حقيقية تمثل واقع الحياة المعيش تحت ظل التوقعات وسماء الأمل في تحقيقها، فيمر القارئ بتفاصيل مختلفة في كل قصة، تحمل في طياتها مشاعر إنسانية عميقة، تترك أثرا في نفسه، فكل قصة تمثل غيمة بطابع مختلف بعضها يمطر فيحقق الأمل، وبعضها الآخر يمر تاركا وراءه الخيبة ولحظات اليأس والخذلان والوهم، ففي «نهاية صالحة للكذب» نتابع طرافة ما حدث بين فيصل وأبومحمد وعبدالرحمن وأبو يوسف وسليمان وحسيب، وكيفية الوصول إلى منصب مدير إدارة، مع العشاء في «المباركية».
وتعد القصص حقيقية وتمثل صراع العلاقات الإنسانية، فتختلف مشاعر الشخصيات في القصص بين الحب والغيرة والحنين والخذلان والأمل في واقع أجمل، لتمر بلحظات الانفراج والتوقع والألم والاشتياق.
كما تتناول «غيمة كاذبة» ارتباط الإنسان بالوهم وتمسكه بأهداب الأمل في أحلامه المنشودة، فترتبط إحدى الشخصيات في قصة «غيمة من أسلاك» بروبوت المحادثة «شات جي بي تي»، فتمر بمشاعر مختلطة بين الوهم والاحتياج، وكـ «جناح فراشة»، كما تصفه الأم، فما ان تلمسه بأناملك حتى تزول ألوانه ولن تحتمل رقته أن يمسها إنسان فتراه يتفتت ويتلاشى كالغبار، وما يمكن أن يحمله من رقة وعفوية وتلقائية وشعور بالامتنان، ودهشة الآخرين من تصرفاته حتى ظنوا أنه يتصنع، رغم أنه كان كان ودودا محبا لوصل روابط المحبة، والشعور بالحنين إلى أمه وركونه إلى مساحة الظل لعله يشعر بالأمان.
وتمسك بنا د.رشا الضامن بـ «يد من هواء» لنرى ما حدث بين عبدالسلام وعبداللطيف، والطلب من ابنته المهندسة أن تعمل سكرتيرة ومؤهلاتها التي لا تستوفي شروط هذا العمل، لنصل إلى زيارة العمة في «طقس غائم جزئيا» بعد أن تقاعدت وتفرغت للاستماع إلى أخبار الأهل والأقاويل التي يتم تناقلها بين الأقارب، والشائعات التي تطول أحياناً كثيرة الجيران، ولا بأس بإلقاء الحطب لإشعال مزيد من الفتن التي تتلذذ بها في كل ساعة، مع إعداد القهوة وقراءة صحيفتها المفضلة، لمتابعة مكالماتها الهاتفية طمعا بمزيد من الأخبار!
وتقع شخصية البطلة في قصة «هطول بلا مطر» في براثن وهم الاعتقاد بأوراق «التاروت» والتسليم المطلق بأحكامه وتوقعاته، لتدور شخصيات النص في كل قصة في وهم الوعد الخادع الذي تمثله الغيمة الكاذبة.
وفي «هروب جماعي من الرواية» لم أعد أقاوم الأشباح التي توقظني فجر كل يوم، بل باتت تقض مضجعي بحواراتها السخيفة، وشجارها العنيف في أحيان كثيرة، وضحكات بعضها على نكتة تناولها أحدهم بطريقة تجعلني أبتسم بالرغم من حالة النعاس التي سيطرت على ذهني. بتُّ أستقبل الأحاديث ومن يقتحم عليّ أحلامي ونومي من دون استئذان، إنهم وقحون ولا يراعون وقت العمل أو قت النوم.
وتنقلنا د.الضامن مع شخصية بوسعود وسيارة السلفرادو الأسود التي تقطع الطريق في «سماء ثقيلة» إلى تغير ملامح الوجه والشعور بالضيق الممزوج بالامتعاض مع «راعي مشاكل» في منطقة الأحمدي ونظرة الآخرين له كسند وعزوة، ولماذا شعر بالضيق بعد زيارة الطبيب والاطلاع على نتائج التحاليل؟
وفي مشاهد مفعمة بالمشاعر نصل إلى «غياب ثقيل» للخالة عواطف، التي نتذكر منها ابتسامتها المشرقة، ومقعدها ومذياعها الدائر صباح كل يوم، بعد أن كانت أمًّا للجميع ورمزاً للخير والإيجابية، التي تضحي وتعطي لإسعاد الآخرين، وتمنح الابتسامة والبهجة للمحيطين بها رغم المرض اللعين لسنوات.
وهناك أمل دوما، فمع صخب الحياة في القاهرة «ربما ستمطر غدا»، حيث هناك سيدة في آخر الشارع تحمل سلة من القش على رأسها، تسندها بيدها، وفي اليد الأخرى تحمل طفلة صغيرة مشدوهة بالضجيج والسيارات، مع باعة متجولين، ومتابعة كيفية عبورها الطريق، ليسدل الستائر ويطفئ أنوار الغرفة مستجدياً النوم الذي بدأ في التمنع، ورجاء أن يأتي لينتشله من هواجسه التي تهاجمه حتى ساعات الصباح الأولى، ليأتي شاهين في «ظل مائل» رجل حاد في رؤيته لبواطن الأمور، حياته سهلة، ويراه بعض المحيطين متطفلا، ولماذا يظهر شعوره بالغيرة في هذا التوقيت رغم ما تم تقديمه له لينجح أكثر من غيره.
ويرجى التزام الصمت مع «قلب ممتد للفراغ»، فنحن في المحكمة ومع طرقتين بمطرقة خشبية من القاضي تحسبا لعودة الشجار بين الزوجين في قاعة المحكمة والتوعد بطردهما وحبسهما، لنكمل معها الحديث عن خلافاتهما قبل الوصول إلى الطلاق.
والكل في دهشة، لماذا قطبت حاجبيها في «ظل المطر»، حيث لم تكمل عيناها بقية قراءة سطور ما كتبه على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، شعرت بغصة.. تقرأ كلمات، تتردد.. ثم تبدأ كتابة كلمات عدة، كانت تبدو كلماتها رسولا للحب، وطريقة ودية للتفاهم. هي تكتب ثم تمسح ما كتبته، وتعود ثانية لقراءة النص، وتتساءل..؟
ونحن مع هذه المجموعة القصصية نجري خلف غيمة مرّت سريعا، أملا في مطر منتظر، لكنها رحلت لتمطر في مكان آخر، ويظن المرء أنه يسقي الأرض الجافة ويبلل الصحراء القاحلة، لكنه «ظل المطر» يبقي الأرض جرداء تعاني العطش، وتحلم بقطرات المطر.












