محكمة التمييز في دبي تقضي بوجوب المساواة في الهبة بين الأولاد والزوجات

في خطوة هامة تعزز مبادئ العدالة والمساواة في قانون الميراث والهبات، قضت محكمة التمييز في دبي بحكم يوجب تحقيق المساواة في الهبة بين الأبناء والزوجات. هذا الحكم، الذي جاء استجابةً لـطعن تقدم به النائب العام لإمارة دبي لمصلحة القانون، يمثل سابقة قضائية تهدف إلى تصحيح التفاوتات المحتملة في توزيع الثروة، ويضع معايير جديدة لتقدير المصلحة في التفرقة بين الورثة. يلقي هذا الحكم الضوء على أهمية إعادة النظر في بعض الممارسات التقليدية المتعلقة بالهبات والتبرعات، ويؤكد على دور القضاء في حماية حقوق جميع الأطراف المعنية.
أهمية حكم المساواة في الهبة وتأثيره
يعتبر هذا الحكم بمثابة حماية للورثة من أي تلاعب في التركة قد يحدث عن طريق الهبات التي تتم في حياة المورث. ففي كثير من الأحيان، قد يقوم المورث بهبة جزء كبير من ثروته لأحد الأبناء أو الزوجات دون مراعاة حقوق الآخرين، مما يؤدي إلى نشوب نزاعات عائلية بعد الوفاة.
تصحيح التفاوتات في توزيع الثروة
يهدف الحكم إلى تصحيح هذه التفاوتات وضمان حصول جميع الورثة على نصيب عادل من التركة. لا يعني هذا الحكم إلغاء حق المورث في الهبة، بل يضع ضوابط تضمن عدم الإضرار بحقوق الآخرين. فالقضاء يترك لتقدير القاضي تحديد ما إذا كانت التفرقة في الهبة مبنية على مصلحة حقيقية، أم أنها مجرد تفضيل غير مبرر.
تعزيز الثقة في النظام القضائي
يعزز هذا الحكم الثقة في النظام القضائي وقدرته على تطبيق القانون بعدالة وشفافية. إنه يرسل رسالة واضحة بأن القضاء لن يتسامح مع أي محاولة لتقويض حقوق الورثة أو التلاعب بالتركة. كما أنه يشجع على اللجوء إلى القضاء لحل النزاعات المتعلقة بالميراث والهبات بدلاً من تركها تتفاقم وتؤدي إلى خلافات عائلية مستمرة.
تقدير المصلحة في التفرقة بين الورثة
أكدت محكمة التمييز في حكمها على أن تقدير المصلحة في التفرقة بين الورثة يقع على عاتق القاضي المختص. وهذا يعني أن القاضي هو من يقرر ما إذا كانت هناك أسباب مقنعة لتفضيل أحد الورثة على الآخر في الهبة.
معايير تقدير المصلحة
قد تشمل هذه الأسباب حاجة أحد الأبناء أو الزوجات إلى الدعم المالي بسبب ظروف صحية أو اجتماعية خاصة، أو مساهمته الكبيرة في رعاية المورث خلال حياته. ولكن، يجب أن تكون هذه الأسباب حقيقية وموثقة، وأن يتم تقديم الأدلة الكافية لإثباتها أمام القاضي.
المساواة كقاعدة عامة
في حال عدم وجود مصلحة حقيقية تبرر التفرقة، فإن القاضي ملزم بتحقيق المساواة في الهبة بين جميع الورثة. ويتم ذلك عن طريق إخراج قيمة الهبة غير العادلة من التركة، وتوزيعها على الورثة المتضررين لتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم. هذا الإجراء يضمن أن يحصل كل وريث على نصيبه العادل من الثروة، بغض النظر عن أي هبات أو تبرعات تمت في حياة المورث.
الهبة وما في حكمها: نطاق الحكم
يشمل حكم المساواة في الهبة جميع أشكال التبرعات والتصرفات التي تتم في حياة المورث والتي تهدف إلى نقل جزء من ثروته إلى أحد الورثة أو الزوجات. وهذا يشمل الهبات النقدية، وهبات العقارات، وهبات الأسهم والسندات، وأي نوع آخر من الممتلكات.
التبرعات غير المباشرة
بالإضافة إلى الهبات المباشرة، يشمل الحكم أيضاً التبرعات غير المباشرة، مثل سداد ديون أحد الأبناء أو تمويل مشاريعه التجارية. فإذا كان المورث قد قام بسداد ديون أحد الأبناء بينما ترك الآخرين يتحملون ديونهم، فإن ذلك يعتبر هبة غير مباشرة ويخضع لأحكام المساواة.
أهمية الوثائق والإثباتات
لذلك، من المهم جداً توثيق جميع الهبات والتبرعات التي تتم في حياة المورث، وتقديم الأدلة الكافية لإثباتها أمام القضاء في حال نشوب نزاع. كما يجب على الورثة المتضررين تقديم الأدلة التي تثبت أنهم قد لحق بهم ضرر بسبب الهبة غير العادلة. هذا يشمل إثبات قيمة الهبة، وإثبات أنهم كانوا في حاجة إلى هذه الأموال، وإثبات أن الهبة قد أثرت سلباً على نصيبهم في التركة.
دور النائب العام في حماية الحقوق
إن قيام النائب العام لإمارة دبي بالطعن على الأحكام السابقة التي لم تحقق المساواة في الهبة يؤكد على دوره الهام في حماية الحقوق وضمان تطبيق القانون بعدالة. هذا الطعن لم يكن يهدف إلى التدخل في شؤون العائلات، بل كان يهدف إلى تصحيح مسار قضائي وإرساء مبدأ قانوني هام.
مصلحة القانون
إن الطعن لمصلحة القانون يمثل آلية قانونية تتيح للنائب العام التدخل في القضايا التي تتعلق بالمصلحة العامة، حتى لو لم يكن هناك طرف متضرر مباشر. وفي هذه الحالة، فإن تحقيق المساواة في الميراث والهبات يعتبر أمراً ضرورياً للحفاظ على التماسك الاجتماعي ومنع نشوب النزاعات العائلية.
الخلاصة والتوصيات
يمثل حكم محكمة التمييز في دبي بشأن المساواة في الهبة تطوراً هاماً في قانون الميراث والأسرة. إنه يعزز مبادئ العدالة والمساواة، ويحمي حقوق الورثة من أي تلاعب في التركة.
لذا، ننصح جميع الأفراد الذين يفكرون في القيام بهبة أو تبرع في حياتهم بالتفكير ملياً في تأثير ذلك على حقوق ورثتهم، والتأكد من أن الهبة تتم بشكل عادل وشفاف. كما ننصح الورثة الذين يشعرون بأنهم قد لحق بهم ضرر بسبب هبة غير عادلة باللجوء إلى القضاء لطلب تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم. هذا الحكم يفتح الباب أمام المزيد من النقاش حول قضايا الميراث والهبات، ويشجع على تطوير قوانين أكثر عدالة وشمولية. يمكنكم أيضاً الاطلاع على المزيد من المعلومات حول قانون الميراث في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال المواقع الحكومية المختصة.












