طلبة مواطنون يطورون «صندوقاً أسود رقمياً» يلاحق «الهاكرز».. وتقنية تكشف الحوادث المفتعلة

تزايدت المخاطر الرقمية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت الشركات والمؤسسات المالية في دولة الإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، هدفًا جذابًا للقراصنة. في هذا السياق، برزت مشاريع طلابية واعدة خلال ملتقى الأدلة الجنائية لشرطة دبي، تقدم حلولًا مبتكرة لمواجهة هذه التحديات، وأبرزها مشروع “صندوق أسود رقمي” الذي قدمته الطالبة سارة الرضي من جامعة زايد. يهدف هذا المشروع إلى حماية البيانات الحساسة وتتبع أنشطة المتسللين، مما يعزز الأمن السيبراني ويقلل من الخسائر المحتملة.
## ملتقى الأدلة الجنائية لشرطة دبي: منصة للإبداع في مجال الأمن السيبراني
نظمت شرطة دبي مؤخرًا ملتقى الأدلة الجنائية لطلبة الجامعات والكليات، والذي استضاف معرضًا ضم 25 مشروعًا ابتكاريًا. تحت شعار “نصنع اليوم قادة التحقيق الجنائي لمستقبل الغد”، سلط الملتقى الضوء على المواهب الشابة وقدرتها على تطوير تقنيات متطورة لمكافحة الجريمة، وخاصة الجرائم الإلكترونية. تأتي هذه المبادرة في إطار جهود شرطة دبي المستمرة لتعزيز الأمن والاستقرار في المجتمع، والاستفادة من أحدث التقنيات في مجال التحقيق الجنائي.
## “صندوق أسود رقمي”: حماية البيانات وتتبع القراصنة
قدمت الطالبة سارة الرضي، من جامعة زايد بدبي، مشروعًا واعدًا يمثل نقلة نوعية في مجال الأمن السيبراني. يعمل هذا المشروع، المسمى “صندوق أسود رقمي”، على تسجيل كل نشاط يحدث داخل النظام الرقمي للمؤسسة بشكل مستمر، تمامًا مثل الصندوق الأسود في الطائرات. يسجل النظام تفاصيل الدخول والخروج، والملفات التي تم الوصول إليها أو تعديلها، وخطوات المتسلل، وحتى محاولات إخفاء الأدلة.
### آلية عمل “الصندوق الأسود الرقمي” ومميزاته
تكمن أهمية هذا النظام في قدرته على الاحتفاظ بسجل مستقل لا يمكن للقراصنة التلاعب به أو حذفه. هذا يسمح لفرق التحقيق الرقمي باستعادة التسلسل الكامل للهجوم، حتى لو حاول المخترق طمس آثاره. كما أن وجود مثل هذه الأنظمة داخل المؤسسات يرفع مستوى الجاهزية والاستجابة للهجمات الإلكترونية، التي تتطلب اليوم فريق مراقبة وتحليل يعمل على مدار الساعة. وبحسب الرضي، فإن “الصندوق الأسود الرقمي” لم يعد مجرد خيار إضافي، بل أصبح ضرورة حتمية في بيئات العمل الحديثة.
## تطور الجرائم الإلكترونية في الإمارات: دراسة تحليلية
بالتوازي مع مشاريع الأمن السيبراني، قدم الطالب خليفة عبدالرحمن علي البلوشي، من جامعة المدينة في عجمان، مشروعًا بحثيًا حول تطور أنماط الجرائم الإلكترونية في دولة الإمارات خلال السنوات العشر الماضية. اعتمد البلوشي في بحثه على تقارير دولية، مثل تقرير IBM لعام 2025، الذي يشير إلى أن متوسط كلفة خرق البيانات لا يزال مرتفعًا، ليصل إلى 4.4 ملايين دولار.
### مراحل تطور الجريمة الإلكترونية وتأثيرها الاجتماعي
قسم البلوشي مراحل تطور الجريمة الإلكترونية في الإمارات إلى ثلاث محطات رئيسية. المرحلة الأولى (2015) شهدت تعرض مليوني مستخدم لجرائم إلكترونية بخسائر بلغت خمسة مليارات درهم. المرحلة الثانية (فترة جائحة كوفيد-19) شهدت ارتفاعًا في الهجمات بنسبة 250%، نتيجة للتحول الواسع للعمل والتعليم عن بُعد. أما المرحلة الثالثة (2021-2025) فقد رصدت شرطة دبي أكثر من 25 ألف بلاغ جريمة إلكترونية عبر منصة e-crime، مما يعكس ارتفاع الوعي المجتمعي وقدرة المؤسسات على رصد الأنماط المستجدة. وأكد البلوشي أن هذه الحوادث لا تقتصر على الأضرار المالية، بل تمتد آثارها إلى الأسرة والمجتمع.
## استخدام بيانات السيارات في التحقيقات المرورية: كشف الحوادث المفتعلة
لم يقتصر الإبداع على الأمن السيبراني، بل امتد ليشمل مجال التحقيقات المرورية. قدم الطالبان هزاع راشد الحمادي ونهيان محمد البلوشي، من كلية التقنية العليا بأبوظبي، مشروعًا بحثيًا حول استخدام بيانات السيارات الحديثة في التحقيقات المرورية، وتمييز الحوادث الطبيعية عن الحوادث المفتعلة. تعتمد السيارات الحديثة على أنظمة متقدمة من الحساسات والبرمجيات، بالإضافة إلى كمبيوتر مركزي يسجل كل ما يحدث داخل المركبة خلال القيادة.
### تحليل البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي
يقوم المشروع على استخراج البيانات المخزنة داخل كمبيوتر السيارة، ثم إدخالها في برنامج خاص تم تطويره لتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي. يحدد البرنامج ما إذا كان الحادث طبيعيًا أو متعمدًا، أو ناتجًا عن خلل فني. ويكشف التحليل الدقيق للبيانات تفاصيل دقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، مثل ضغط السائق على الفرامل أو حركة المقود. ويعتبر هذا النوع من التحقيقات “تحولًا مهمًا في علوم الأدلة الرقمية المرتبطة بالمرور”، ويساهم في كشف الحوادث المفتعلة ومكافحة الاحتيال التأميني.
في الختام، يمثل ملتقى الأدلة الجنائية لشرطة دبي منصة هامة لدعم الإبداع والابتكار في مجال الأمن السيبراني والتحقيق الجنائي. المشاريع التي قدمها الطلاب، مثل مشروع “صندوق أسود رقمي” واستخدام بيانات السيارات في التحقيقات المرورية، تعكس القدرة على تطوير حلول مبتكرة لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة. إن الاستثمار في هذه المواهب الشابة وتعزيز التعاون بين الجامعات وشرطة دبي يمثل خطوة ضرورية نحو بناء مستقبل أكثر أمانًا.












