حكومة الإمارات تصدر مرسوماً بقانون اتحادي في شأن السلامة الرقمية للطفل

في إطار حرص دولة الإمارات العربية المتحدة على حماية أجيالها القادمة وتعزيز جودة حياتهم، أصدرت الحكومة مؤخرًا مرسومًا بقانون اتحادي هامًا يتعلق بـ السلامة الرقمية للطفل. يمثل هذا المرسوم خطوة رائدة نحو توفير بيئة رقمية آمنة وصحية للأطفال، وتشجيعهم على الاستفادة من التكنولوجيا بشكل مسؤول ومناسب لأعمارهم. يأتي هذا التشريع تزامنًا مع إعلان الدولة تخصيص عام 2026 ليكون “عام الأسرة”، مما يؤكد على الأهمية القصوى التي توليها الإمارات للأسرة والطفولة.
حماية الأطفال في الفضاء الرقمي: رؤية شاملة
يهدف هذا القانون إلى حماية الأطفال من المخاطر المتزايدة في العالم الرقمي، والتي تشمل المحتوى الضار، والممارسات غير الآمنة، والتأثيرات السلبية على صحتهم الجسدية والنفسية والأخلاقية. لا يقتصر الأمر على الحماية فحسب، بل يركز أيضًا على تنمية الوعي الرقمي لدى الأطفال وأولياء الأمور، وتعزيز ثقافة الاستخدام الإيجابي والواعي للتكنولوجيا. إن السلامة الرقمية للطفل ليست مجرد مسؤولية فردية، بل هي جهد جماعي يتطلب تضافر جهود الحكومة والمؤسسات التعليمية والقطاع الخاص وأفراد المجتمع.
نطاق تطبيق القانون: تغطية شاملة للمنصات الرقمية
يتميز هذا القانون بنطاقه الشامل الذي يغطي مختلف أنواع المنصات الرقمية التي يستخدمها الأطفال، بما في ذلك المواقع الإلكترونية، ومحركات البحث، والتطبيقات الذكية، وتطبيقات المراسلة، ومنصات الألعاب الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، ومنصات البث المباشر، وخدمات البث، ومنصات التجارة الإلكترونية. هذا التغطية الواسعة تضمن عدم وجود ثغرات يمكن أن يستغلها البعض للإضرار بالأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يواكب القانون التطور المتسارع في الفضاء الرقمي، مما يجعله مرنًا وقادرًا على التعامل مع التحديات الجديدة.
مجلس السلامة الرقمية للطفل: آلية تنسيق وتعاون
لضمان فعالية تطبيق القانون، تم إنشاء “مجلس السلامة الرقمية للطفل” برئاسة وزيرة الأسرة، وبإشراف مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع. يعمل هذا المجلس كجهة استشارية وتنسيقية، مهمتها تحقيق التكامل والتنسيق بين جميع الجهات المعنية بـ حماية الطفل في الفضاء الرقمي. تشمل اختصاصات المجلس اقتراح السياسات والتشريعات والاستراتيجيات اللازمة لضمان أعلى مستويات الأمان الرقمي للأطفال، ورفعها إلى مجلس الوزراء للموافقة عليها. كما يتولى المجلس مهمة اقتراح منظومة توعية متكاملة، وإجراء الدراسات لرصد المخاطر الرقمية المستجدة.
مهام المجلس: من السياسات إلى التوعية
بالإضافة إلى المهام المذكورة أعلاه، يختص المجلس باقتراح المعايير العامة للخصوصية والأمان الرقمي، ومتابعة وتقييم فعالية السياسات والاستراتيجيات المنفذة. يهدف ذلك إلى ضمان تحقيق أفضل النتائج في حماية الأطفال، وتطوير الإجراءات اللازمة لمواجهة التحديات الجديدة. كما يركز المجلس على تعزيز الوعي الرقمي لدى الأطفال والقائمين على رعايتهم، من خلال تنظيم حملات توعية وورش عمل ومبادرات تعليمية.
حماية البيانات الشخصية: موافقة الوالدين كشرط أساسي
يضع القانون قيودًا صارمة على جمع أو معالجة أو نشر أو مشاركة البيانات الشخصية للأطفال دون سن 13 عامًا، إلا بعد الحصول على موافقة والدية صريحة وموثقة من القائم على رعاية الطفل. كما يحظر استغلال بيانات الأطفال لأغراض تجارية أو لتقديم الإعلانات الإلكترونية المستهدفة، أو لتتبع نشاط حساباتهم الشخصية. هذه الإجراءات تهدف إلى حماية خصوصية الأطفال، ومنع استغلالهم من قبل الشركات أو الأفراد. تعتبر خصوصية الطفل على الإنترنت من أهم أولويات هذا القانون.
الإبلاغ عن المحتوى الضار: آلية سريعة وفعالة
ينظم القانون آلية الإبلاغ عن المحتوى الضار للطفل، بما يضمن سرعة التعامل مع حالات الإساءة أو الاستغلال الرقمي. ويحدد مسؤولية الجهات المعنية بإجراء الرصد الدوري للمحتوى في المنصات الرقمية، وإبلاغ الجهات الأمنية عن المواد الإباحية التي تستغل الأطفال، والمحتوى الضار، والانتهاكات الرقمية التي قد يتعرض لها الأطفال. تعتبر هذه الآلية ضرورية لضمان حماية الأطفال من المحتوى الذي قد يضر بهم.
التزامات المنصات الرقمية: دور محوري في الحماية
يلزم القانون المنصات الرقمية بتوفير آليات فعالة للتحقق من العمر، وأدوات لتطبيق الضوابط والقيود العمرية على استخدام المنصات. كما يتطلب تفعيل أدوات الحجب والتصفية، وتوفير أدوات التحكم الوالدي، مثل تحديد القيود الزمنية لاستخدام الأطفال اليومي للمنصات. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المنصات الإفصاح الدوري عن سياسات التعامل مع المستخدمين والمحتوى، وتعزيز التوعية بالمخاطر الناتجة عن الاستخدام المفرط أو غير المنضبط للمنصات.
مسؤولية القائمين على الرعاية: دور أساسي في التوجيه
لا يقتصر القانون على المنصات الرقمية، بل يحدد أيضًا التزامات على القائمين على رعاية الطفل، بما في ذلك متابعة الأنشطة الرقمية للطفل، واستخدام أدوات التحكم الوالدي، وعدم إنشاء حسابات للأطفال على المنصات غير المناسبة لأعمارهم. كما يشدد القانون على أهمية توعية الأطفال بثقافة الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا. إن دور القائمين على الرعاية حاسم في حماية الأطفال في الفضاء الرقمي.
في الختام، يمثل المرسوم بقانون اتحادي بشأن السلامة الرقمية للطفل نقلة نوعية في جهود دولة الإمارات لحماية أطفالها في العصر الرقمي. من خلال توفير إطار تشريعي شامل، وتعزيز التنسيق بين جميع الجهات المعنية، وتحديد التزامات واضحة على المنصات الرقمية والقائمين على الرعاية، يهدف هذا القانون إلى خلق بيئة رقمية آمنة وصحية للأطفال، وتمكينهم من الاستفادة من التكنولوجيا بشكل مسؤول ومناسب لأعمارهم. ندعو جميع أفراد المجتمع إلى التعاون والتكاتف لتطبيق هذا القانون، وضمان مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.












