اخبار الامارات

أوروبا تتحرك لتعزيز قدراتها الدفاعية وتحمّل مسؤولية أمنها

رغم موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتذبذب تجاه أوروبا، فقد شهد الأسبوع الماضي تطورات إيجابية لافتة في مجال الأمن الأوروبي، وعلى غير المتوقع، أدى تردد ترامب، وإصراره المتكرر على إبعاد بلاده عن مشكلات القارة، إلى تحفيز الحلفاء الأوروبيين على تحمل مسؤولية أمنهم بشكل أكثر جدية وفاعلية.

وكان ترامب سُئل أخيراً من قبل أحد الصحافيين عما إذا كان يعتقد أن على الدول الأوروبية إسقاط الطائرات الروسية التي تنتهك مجالها الجوي ضمن دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، فأجاب بسرعة ومن دون تردد: «نعم، أؤيد ذلك»، هذا الرد جاء حاسماً مقارنة بمواقفه السابقة، التي تجاهل فيها إلى حد كبير الاختراقات الروسية للأجواء الشرقية لأوروبا.

ومع ذلك، فإن هذا الموقف الحاسم لم يخلُ من التحفظ، فعندما طلب من ترامب توضيح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم حلفاءها الأوروبيين عسكرياً في حال حدوث مثل هذا السيناريو، أجاب بتحفظ: «يعتمد الأمر على الظروف»، ثم أضاف: «كما تعلمون، نحن ملتزمون جداً بحلف (الناتو)».

عامل مشجع

وقد فُسر هذا التراخي، أو على الأقل الغموض الأميركي، كعامل مشجع للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لمواصلة اختبار حدود الحلف، ما زاد من احتمالية وقوع حوادث خطيرة قد تخرج عن السيطرة، وفي هذا السياق، تم رصد طائرات مسيرة فوق خمسة مطارات دنماركية – مدنية وعسكرية – ويُعتقد أنها روسية الأصل، وربما أطلقت من سفن روسية متمركزة في بحر البلطيق.

لكن من الجانب الآخر، يبدو أن هذا التحدي المتزايد قد أدى إلى يقظة أوروبية، فقد اتخذت القوى الأوروبية خطوات فعلية تظهر استعدادها لتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أمن القارة، حيث ظهرت خلال الأسبوع الماضي ثلاث إشارات واضحة تؤكد هذا التحول الجاد.

رسالة واضحة

أولى هذه الإشارات جاءت من اجتماع في موسكو، حيث اجتمع مبعوثون من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا مع نظرائهم الروس، ووجهوا رسالة واضحة مفادها أنهم مستعدون لإسقاط الطائرات الروسية التي تنتهك المجال الجوي لدول حلف شمال الأطلسي، وبحسب تقارير صحافية، فإن الجانب الروسي كان يدوّن ملاحظات دقيقة، ما يشير إلى أن بوتين أراد تقييم مدى جدية الأوروبيين، الذين أظهروا للمرة الأولى استعدادهم للتحدث باسم أنفسهم، بعيداً عن الغطاء الأميركي المعتاد.

«جدار الطائرات»

الإشارة الثانية، تمثلت في عقد أول اجتماع تخطيطي لمبادرة «جدار الطائرات بدون طيار» التي تم إطلاقها حديثاً، وتهدف هذه المبادرة إلى بناء شبكة دفاعات جوية منسقة على طول الجناح الشرقي لأوروبا، لمواجهة تهديدات الطائرات المسيّرة الروسية الرخيصة والفعالة، ورغم الطابع البيروقراطي المعتاد لمثل هذه الاجتماعات، إلا أن قائمة الحضور كانت لافتة، حيث شاركت أوكرانيا، التي تمتلك خبرة قتالية وتكنولوجية كبيرة، وتم منح الناتو صفة مراقب، ويُتوقع أن تسهم هذه الخبرة الأوكرانية في تعزيز فعالية المشروع، كما يحتمل في المستقبل دعوة إسرائيل للمساهمة، خصوصاً بعد إعلانها أخيراً عن جهوزية نظام «الشعاع الحديدي»، وهو سلاح ليزري مضاد للطائرات المسيرة.

خطط ألمانية

أما الإشارة الثالثة والأكثر أهمية، فجاءت من ألمانيا، القوة الاقتصادية الأكبر في أوروبا، والتي طالما تحدثت عن لعب دور أكبر في المجال الأمني دون خطوات عملية تُذكر، إلا أن الأسبوع الماضي شهد تحولاً حقيقياً، حيث كشفت ميزانية مسربة أن ألمانيا تخطط لإنفاق أكثر من 90 مليار دولار على مشتريات عسكرية خلال العام المقبل، وهي زيادة ضخمة من حيث الحجم والنطاق، والأهم من ذلك أن النسبة الأكبر من هذا الإنفاق ستذهب لصالح شركات صناعات دفاعية أوروبية، في حين لم يُخصص سوى 8% فقط لشراء أسلحة من الولايات المتحدة.

وبالتوازي مع الإعلان عن الميزانية، نفّذت القوات المسلحة الألمانية مناورات عسكرية واسعة النطاق، استمرت ثلاثة أيام تحت اسم «العاصفة الحمراء برافو»، لمحاكاة الرد على عدوان روسي محتمل في بحر البلطيق، كما أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس دعمه لمصادرة الأصول الروسية المجمدة واستخدامها في تمويل جهود الدفاع الأوكراني، وهي خطوة تعكس تحولاً سياسياً نوعياً في كيفية تعامل أوروبا مع التحدي الروسي.

تحرر تدريجي

ومن خلال هذه التطورات، يبدو أن القارة الأوروبية تسير بخطى حثيثة نحو تعزيز قدراتها الدفاعية الذاتية، متحررة تدريجياً من الاعتماد الكامل على الحماية الأميركية، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة مباشرة لسياسة ترامب التي تميل إلى الانعزال والانكفاء الداخلي.

وبينما يتراجع النفوذ الأميركي شيئاً فشيئاً في أوروبا نتيجة لمواقف إدارة ترامب، تُظهر الخطط الأوروبية، لا سيما الألمانية، أن المستقبل الأمني للقارة قد يشهد استقلالية أكبر، وتعاوناً داخلياً أوسع، يُعيد صياغة شكل التحالفات الدولية. عن «واشنطن بوست»


توازن العلاقات

قد يجد الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى شكر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لا على دعمه، بل لأنه دفعهم، عن غير قصد، إلى بناء قدراتهم الدفاعية والتفكير في أمنهم القومي من منظور أكثر واقعية واستقلالاً، ومع تكثيف الجهود الأوروبية، قد تجد الولايات المتحدة نفسها قادرة على تخفيف التزاماتها العسكرية في القارة العجوز دون أن تتخلى عنها تماماً، ما يفتح الباب أمام توازن جديد في العلاقات عبر الأطلسي.

• ألمانيا تخطط لإنفاق أكثر من 90 مليار دولار على مشتريات عسكرية خلال العام المقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى