اخبار مصر

نجاة منقوصة حروب الجسد تطارد السودانيات من الفاشر إلى ليبيا

طرابلس الليبية.. تتحسس 7 سودانيات هاربات من حرب الجيش والدعم السريع، خطواتهن إلى جمعيات حقوقية، تحبس كل منهن سرا كبيرا، تخاف أن تبوح به، لكنها تحمل أيضا رغبة في الانتقام والقصاص ممن اغتصبوهن في السودان وليبيا على السواء. هذا ما كشفه تحقيق مُفصل.

اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، مخلفة وراءها مآسي لا تحصى، وخاصةً للنساء والفتيات. تحكي قصص سبع نساء سودانيات لجأن إلى طرابلس الليبية، قصصًا مروعة عن العنف الجنسي، والابتزاز، والانتهاكات التي تعرضن لها في كل من السودان وليبيا، بحثًا عن الأمان، ليجدن أنفسهن وجهاً لوجه مع جحيم جديد. هذا التحقيق يسلط الضوء على معاناتهن، مُفصلاً مسار النجاة المنقوصة، والكلفة الباهظة التي دفعنها للبقاء على قيد الحياة.

السودان وليبيا… وجهان لعملة العنف ضد المرأة

في طرابلس، تقف “ميرفت” و”حسناء” و”أميرة” و”نصرة” و”عزيزة” و”ماجدة” وابنة أختها “شروق”، كل واحدة منهن تحمل ندبة عميقة، وذاكرة مُثقلة بالجريمة. تجمعهن المأساة، لكنهن يبتعدن عن بعضهن البعض، خوفًا من تذكر تفاصيل مؤلمة، وربما خوفًا من وصمة العار في مجتمعاتهن المحافظة. تشير التقديرات إلى أن 12.1 مليون شخص في مناطق النزاع السودانية معرضون للعنف القائم على النوع الاجتماعي – أي شخص من كل أربعة – وهو ما يمثل زيادة مذهلة بنسبة 200% خلال عام واحد فقط (صندوق الأمم المتحدة للسكان، يوليو 2025). وليست ليبيا بمنأى عن هذه الأزمة؛ فالعنف الجنسي لا يزال يتربص بالنساء، وإن تغيّر الجلاد وتبدّلت الميليشيات.

مأساة “شروق” وأثر الحرب على الطفولة

تبدأ القصة بألم “شروق”، الفتاة ذات السبعة عشر ربيعًا. بعد مقتل جدتها على يد عناصر من الدعم السريع، اقتحم مسلحون منزلهم في الفاشر، واختطفوها. عاشت “شروق” أسبوعين من الجحيم، تعرضت خلالها للاغتصاب المتكرر، حتى تمكنت عائلتها من جمع فدية قدرها 5 مليارات جنيه سوداني (حوالي 8 آلاف دولار). لكن العودة لم تكن بداية النهاية، بل بداية لواقع مرير. في مجتمع يوصم ضحايا الاغتصاب، اضطرت الأسرة إلى تزويجها من ابن خالتها، الأكبر منها بخمس سنوات، هربًا من العار.

قصة “شروق” ليست حالة فردية، بل هي انعكاس لواقع العنف الجنسي الممنهج ضد الأطفال في السودان. فقد وثقت اليونيسف تسجيل 221 حالة اغتصاب منذ بداية عام 2024، وهي أرقام لا تعكس الحجم الحقيقي للجريمة التي تستخدم كسلاح حرب.

من الفاشر إلى الكفرة… رحلة الرعب المستمرة

لم تتوقف المأساة عند حدود السودان. “ماجدة” وابنة أختها “شروق” واجهتا خطرًا جديدًا في رحلتهن الشاقة عبر مسارات التهريب نحو ليبيا. في الكفرة، سقطتا في قبضة ميليشيا ليبية، حيث تعرضتا للاختطاف، والاحتجاز، والابتزاز، والعنف الجنسي. الكفرة أصبحت نقطة عبور خطيرة للمهاجرين، حيث تفقد الآلاف أرواحهم، وينتشر الإفلات من العقاب.

“التركينة”.. سجون العار في ليبيا

العديد من النساء السودانيات، مثل “ميرفت” و”نصرة”، مررن عبر “التركينة”، وهي مراكز احتجاز عشوائية سيئة السمعة، تعرض فيهن للاستغلال والاعتداءات المروعة. قُرب مساعد شمال شرق ليبيا، اختُزِلت حياة “ميرفت” وأطفالها في كونتينر ضيق، حيث كان الابتزاز والاعتداء الجنسي هما الثمن للبقاء على قيد الحياة. تفاقمت الأمور عندما تم اغتصاب ابنها أمام عينيها.

“نصرة” عانت من نفس المصير، حيث تعرضت هي ونساء أخريات للاغتصاب الجماعي المنظم على يد دوريات أمنية. هذه الممارسات القاسية لم تقتصر على مراكز الاحتجاز، بل امتدت إلى سجون أخرى مثل سجن أسامة في طرابلس، حيث تعرض المعتقلون للتعذيب، والأعمال القسرية، والاستغلال الجنسي.

قصص مؤلمة تكشف عن نظام متكامل للاستغلال

تتعدد القصص وتتداخل، لكنها تشترك في وحدة الألم والاستغلال. “حسناء” تعرضت للاغتصاب مرتين، مرة في السودان، ومرة أخرى في طرابلس. بينما “عزيزة” واجهت خطرًا آخر، حيث تعرضت لمحاولات إجبارها على ممارسة البغاء بعد وصولها إلى ليبيا. قصص هؤلاء النساء ليست مجرد حوادث فردية، بل هي جزء من نظام متكامل للاستغلال والعنف الذي يستهدف النساء المهاجرات واللاجئات في ليبيا.

البحث عن الأمان.. نهاية مأساوية في الغالب

حتى بعد نيل الحرية، لم تنتهِ مآسي هؤلاء النساء. تعرضت “ميرفت” لتهديدات جديدة، وفقدت أطفالها مؤقتًا، بينما تعيش “ماجدة” في حالة من التشرد. هذه القصص المؤلمة تؤكد أن الهروب من الحرب لا يضمن الأمان، وأن النساء غالبًا ما يجدن أنفسهن في دوامة جديدة من العنف والانتهاكات. العنف ضد المرأة بات وباءً يهدد حياة الملايين في السودان وليبيا.

الوضع الإنساني المتردي وضرورة التحرك

الوضع الإنساني في السودان يتدهور بشكل مطرد، مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين. ووفقًا للأرقام الرسمية، نزح 9.5 مليون سوداني داخليًا، وعبر 4.35 مليون آخرون إلى دول الجوار. النساء والفتيات هن الأكثر تضررًا من هذا الوضع، حيث تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء لشكل من أشكال العنف الجنسي أثناء رحلة النزوح.

انتهاكات حقوق الإنسان لا تتوقف عند هذا الحد؛ فالاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والاختفاء القسري، كلها ممارسات شائعة في ليبيا، خاصةً في مراكز الاحتجاز العشوائية.

التحقيق كشف عن مسؤولية الميليشيات وقوات الأمن الليبية عن هذه الانتهاكات. ورغم تقديم بلاغات للجهات المختصة، لم تتلقّ الضحايا أي حماية أو دعم قانوني. هذا الأمر يعكس حالة الإفلات من العقاب التي تسود في ليبيا، والتي تشجع على استمرار العنف والانتهاكات.

تبقى قصص هؤلاء النساء صرخة ألم، ودعوة للتحرك. هل ستستجيب السلطات الوطنية والدولية لمعاناتهن، وتحول هذه الشهادات إلى أفعال ملموسة؟ أم ستبقى قصصهن مجرد أرقام في تقارير حقوق الإنسان؟ يجب على المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية أن تضاعف جهودها لحماية النساء السودانيات في السودان وليبيا، وضمان حصولهن على العدالة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى