“تحويلات بنكية وثقت نشاطها”.. لماذا عاقبت المحكمة “أم مكة” بالحبس 6 أش

أودعت المحكمة المصرية تفاصيل حكمها في قضية البلوجر المعروفة بـ “أم مكة”، والتي اتُهمت بنشر محتوى غير لائق عبر منصات التواصل الاجتماعي. الحكم، الذي أثار جدلاً واسعاً، يوضح الأسس القانونية للإدانة والأسباب التي أدت إلى تخفيف العقوبة. هذه القضية تلقي الضوء على تحديات تنظيم محتوى مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، والخط الفاصل بين حرية التعبير والمحتوى المخل بالآداب العامة.
تفاصيل القضية وملابساتها
بدأت القضية بعد ورود بلاغات متعددة من مواطنين حول المحتوى الذي تقدمه “أم مكة” عبر حساباتها على “تيك توك” و “إنستاباي”. تضمنت البلاغات اتهامات بنشر مقاطع فيديو وألفاظ وأفعال تعتبر مخالفات رقمية تتعارض مع القيم المجتمعية والأخلاق الحميدة. وبناءً على هذه البلاغات، باشرت الأجهزة الأمنية تحرياتها، والتي أسفرت عن تحديد الحسابات المتهمة وتحريات فنية أكدت صحة الاتهامات.
تمكنت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات من رصد حساب “فسيخ أم مكة” على “تيك توك”، والذي يحظى بشعبية كبيرة، حيث وصل عدد المتابعين إلى 6.1 مليون. كما تم رصد حسابها على “فيسبوك” الذي يضم 2.1 مليون متابع. أظهر فحص الحسابين وجود مقاطع وعبارات تعتبر محتوى مسيء و خادشة للحياء.
الأساس القانوني للحكم والإدانة
استندت المحكمة في حكمها إلى الأدلة المتوفرة، والتي شملت تقارير فنية من خبراء تكنولوجيا المعلومات، واعترافات المتهمة خلال التحقيقات. أكدت المحكمة أنها اطّلعت على جميع أوراق القضية بتمعن، ووازنت بين أدلة الاتهام والدفاع، وأنها اطمأنت إلى صحة نسبة الاتهام للمتهمة.
وبحسب حيثيات الحكم، فإن أفعال المتهمة تشكل جريمة نشر محتوى خادش للحياء، وذلك بموجب قانون جرائم الإنترنت وقانون العقوبات المصري. كما أشارت المحكمة إلى مبادئ قضائية سابقة تؤكد على سلطتها التقديرية في تقييم الأدلة والتحريات، واعتمادها عليها كأساس للإدانة.
أدلة الإدانة التي اعتمدت عليها المحكمة
- التقارير الفنية: قدمت الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات تقارير فنية مفصلة تثبت أن المتهمة هي منشئة ومديرة الحسابات المتهمة.
- اعترافات المتهمة: اعترفت المتهمة خلال التحقيق بصحة الحسابات المنشورة وقيامها بنشر المحتوى المذكور.
- المضبوطات: تم ضبط هاتف المتهمة وتحليل محتوياته، مما أسفر عن العثور على دلائل ومواد رقمية تدعم الاتهام.
- الرصيد المالي: تبين وجود رصيد مالي كبير في حساباتها على “إنستاباي” و “دولاري”، أقرّت المتهمة بأنه ناتج عن نشاطها على الحسابات المثيرة للجدل.
- شكاوى المواطنين: تلقت المحكمة شكاوى متعددة من المواطنين تفيد بتضررهم من المحتوى الذي تقدمه المتهمة.
أسباب وقف تنفيذ عقوبة الحبس
على الرغم من إدانة المتهمة، قررت المحكمة وقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات في الاتهامين الأول والثالث. يعكس هذا القرار تقدير المحكمة للظروف الخاصة للمتهمة، ورغبتها في إتاحة الفرصة لها لتصحيح سلوكها.
وقالت المحكمة إنها استندت في قرارها إلى المادة 56 من قانون العقوبات، والتي تسمح بوقف تنفيذ العقوبة إذا رأت المحكمة أن المحكوم عليه غير ذي سوابق، وأن ظروفه تسمح بإصلاحه. وأشارت المحكمة إلى أن المتهمة لم تكن من أرباب السوابق، وأنها تعرضت لإجراءات توقيف وحبس مكثفة تجاوزت ثلاثة أشهر، مما قد يكون كافياً لتحقيق الردع الخاص.
خلال دراسة القضية، رأت المحكمة أن هناك مبررات قوية للاعتقاد بأن المتهمة لن تعود إلى نشر محتوى تيك توك المخل بالآداب العامة. وبالتالي، قررت استخدام سلطتها التقديرية في وقف تنفيذ عقوبة الحبس، مع إلزامها بدفع غرامة مالية.
الحكم النهائي وتداعياته
حكمت المحكمة بمعاقبة “أم مكة” بالحبس لمدة 6 أشهر وغرامة قدرها 100 الف جنيه، مع وقف تنفيذ الحبس لمدة ثلاث سنوات. كما أمرت بمصادرة المضبوطات (الهواتف والأجهزة الإلكترونية) وإلزامها بدفع المصاريف الجنائية. وقد برّأتها المحكمة من الاتهام الثاني.
يثير هذا الحكم العديد من التساؤلات حول معايير تقييم المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي في مصر، وتطبيق القانون على هذه النوعية من القضايا. كما يطرح تساؤلات حول دور البلوغرز والمؤثرين في المجتمع، ومسؤوليتهم عن المحتوى الذي يقدمونه. من المؤكد أن هذه القضية ستظل محل نقاش وجدل في الفترة القادمة، وستدفع إلى إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بجرائم الإنترنت.
تعتبر هذه القضية نموذجًا للتحديات القانونية والاجتماعية التي تواجهها مصر في ظل انتشار محتوى الإنترنت غير المراقب. ويتطلب حل هذه التحديات تضافر جهود المشرّعين والأجهزة الأمنية والمجتمع المدني.












