النشاط البدني المتأخر يقلل من خطر الخرف

تعتبر أمراض الخرف من التحديات الصحية المتزايدة في العالم، وتثير قلقًا كبيرًا لدى الأفراد والعائلات. ووفقًا لدراسة حديثة، قد يكون هناك سلاح فعال لمواجهة هذا الخطر: النشاط البدني. هذه الدراسة الأمريكية الرائدة تلقي الضوء على أهمية الحركة في الحفاظ على صحة الدماغ، خاصة مع التقدم في العمر، وتقدم رؤى جديدة حول دور العوامل الوراثية.
النشاط البدني وخفض خطر الخرف: ما الذي كشفته الدراسة؟
كشفت الدراسة، التي تابعها الباحثون لأكثر من 40 عامًا، عن علاقة قوية بين ممارسة النشاط البدني وانخفاض خطر الإصابة بالخرف. وشملت الدراسة بيانات 4290 مشاركًا، بدءًا من عام 1971، وتم تصنيف المشاركين إلى ثلاث فئات حسب مستوى نشاطهم البدني خلال مراحل حياتهم المختلفة: الشباب، منتصف العمر، والبلوغ المتقدم.
كيف تمت الدراسة وتقييم المشاركين؟
تم جمع بيانات المشاركين بانتظام على مدار العقود، مع تقييم مستويات النشاط البدني في فترات زمنية محددة. في مرحلة الشباب (26-44 عامًا)، تم التقييم في أواخر السبعينيات، بينما خضع المشاركون للتقييم في مرحلة منتصف العمر (45-64 عامًا) في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، وفي مرحلة البلوغ المتقدمة (65 عامًا فأكثر) في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية. هذا التقييم المستمر سمح للباحثين برصد التغيرات في النشاط البدني وتأثيرها على صحة الدماغ على المدى الطويل.
النتائج كانت ملحوظة: أظهرت أن الأشخاص الذين حافظوا على أعلى مستويات النشاط البدني في منتصف العمر وما بعده كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف بنسبة تتراوح بين 41 و 45٪ مقارنة بأقرانهم الذين كانوا الأقل نشاطًا. والأكثر أهمية، أن هذه النتيجة بقيت ثابتة حتى بعد أخذ العوامل الديموغرافية المعروفة مثل العمر والتعليم، بالإضافة إلى العوامل الصحية المزمنة كارتفاع ضغط الدم والسكري، في الاعتبار.
مفاجأة الدراسة: تأثير النشاط البدني على الجينات
لم تقتصر الدراسة على التأثير الإيجابي للنشاط البدني بشكل عام، بل ذهبت أبعد من ذلك لتحليل دور العامل الوراثي المعروف باسم جين APOE ε4، وهو جين يرتبط بزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر، أحد أنواع الخرف.
النشاط البدني والتخفيف من تأثير الجينات الوراثية
وهنا تكمن المفاجأة: اكتشف الباحثون أن النشاط البدني، خاصة في منتصف العمر، قلل من خطر الإصابة بالخرف ليس فقط لدى الأشخاص الذين لا يحملون هذا الجين، بل أيضًا لدى أولئك الذين لديهم استعداد وراثي للإصابة بالخرف. ولكن، في مراحل لاحقة من العمر، بدا أن فوائد النشاط البدني تمتد لتشمل الجميع تقريبًا، سواء كانوا حاملين للجين أم لا. هذا يشير إلى أن الاستمرار في النشاط البدني في مراحل الحياة المتقدمة يمكن أن يوفر حماية فعالة للدماغ، حتى بالنسبة للأشخاص المعرضين وراثيًا لخطر الخرف.
هذا الاكتشاف يعزز بشكل كبير الفهم الحالي لأهمية ممارسة الرياضة لصحة الدماغ. فالرياضة لا تحمي الدماغ فحسب، بل يمكنها أيضًا التخفيف من تأثير العوامل الوراثية التي تزيد من خطر الإصابة بالخرف.
أهمية الدراسة ومستقبل البحوث حول صحة الدماغ
إن ما يميز هذه الدراسة هو حجم العينة الكبير، وطول فترة المتابعة (أكثر من 40 عامًا)، والتحليل الجيني الشامل عبر مراحل عمرية مختلفة. هذه العوامل تضفي مصداقية عالية على النتائج، وتجعلها ذات أهمية خاصة في توجيه استراتيجيات الصحة العامة.
تقترح النتائج أن الرسائل الصحية العامة يجب أن تركز على أهمية النشاط البدني المنتظم، خاصة في منتصف العمر، كوسيلة فعالة للوقاية من الخرف. كما تسلط الضوء على ضرورة تخصيص التوصيات بناءً على المخاطر الجينية للفرد. على سبيل المثال، قد يستفيد الأشخاص الذين يحملون جين APOE ε4 بشكل خاص من برنامج تمارين رياضية مكثف ومستمر.
الذاكرة والصحة: استثمر في نشاطك البدني اليوم
في الختام، تؤكد هذه الدراسة على أن النشاط البدني ليس مجرد مفتاح لصحة الجسم، بل هو أيضًا استثمار هام في صحة الدماغ على المدى الطويل. سواء كنت في منتصف العمر أو متقدمًا في السن، فإن الحركة المستمرة يمكن أن تقلل من خطر الإصابة بالخرف وتحسن جودة حياتك. لذا، ابدأ اليوم في دمج النشاط البدني في روتينك اليومي، واستمتع بالفوائد الصحية العديدة التي يقدمها. ما هي خطوتك الأولى نحو دماغ أكثر صحة؟ هل تفضل المشي، أو الرقص، أو ممارسة الرياضة في الصالة؟ شاركنا أفكارك في التعليقات!
الكلمات المفتاحية الثانوية: صحة الدماغ، الوقاية من الخرف، جين APOE ε4.












