بعد طلب نتنياهو العفو.. عاصفة سياسية في إسرائيل

طلب عفو نتنياهو يثير جدلاً واسعاً في إسرائيل: هل تهديد للديمقراطية أم حق مشروع؟
أثار تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طلب عفو رسمي من الرئيس إسحاق هرتسوج عن القضايا الثلاث المرفوعة ضده منذ نحو 10 سنوات، عاصفة من ردود الأفعال المتباينة داخل المجتمع الإسرائيلي. هذا الطلب، الذي يأتي في خضمّ استمرار المحاكمات بتهم الفساد، لم يمر مرور الكرام، بل أحدث انقسامات حادة بين مؤيدين يرون فيه خطوة ضرورية، ومعارضين يعتبرونه ضربة قاضية للديمقراطية وسيادة القانون. الجدل حول العفو عن نتنياهو يتصاعد مع كل تصريح جديد، ويطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل النظام القضائي في إسرائيل.
تفاصيل طلب العفو ومبررات نتنياهو
قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي طلب العفو المكون من 14 صفحة بالإضافة إلى ملاحق، تتضمن لائحة الاتهام الموجهة إليه. في هذا الطلب، يزعم نتنياهو أن استمرار محاكمته يثير خلافات عميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، وأن إنهائها سيساهم في تحقيق مصالحة واسعة. ويؤكد أن مصلحته كانت في إثبات براءته أمام القضاء، إلا أن “مصالح الأمن والسياسة تقتضي أمرًا آخر”. الهدف من هذا الإجراء، وفقاً لرؤية نتنياهو، هو تخفيف التوترات السياسية والتركيز على التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
ردود فعل متباينة من الأطراف السياسية
لم يقتصر الجدل على الشارع الإسرائيلي، بل امتد ليشمل الأطراف السياسية المختلفة. وزير المالية الإسرائيلي بتسئيل سموتريتش، دافع عن نتنياهو بشدة، واصفاً إياه بأنه “ضحية اضطهاد” من قبل “نظام قضائي فاسد” قام بتلفيق قضايا سياسية ضده. ودعا الرئيس هرتسوج إلى الاستجابة لطلب العفو.
موقف المعارضة: تهديد للديمقراطية
في المقابل، دعت المعارضة الإسرائيلية الرئيس هرتسوج إلى رفض طلب العفو بشكل قاطع. يرى قادة المعارضة أن منح العفو لنتنياهو في ظل استمرار الإجراءات القانونية ضده يمثل تهديدًا خطيرًا لسيادة القانون، ويسمح له بالتهرب من المساءلة عن أفعاله.
يائير لابيد، زعيم المعارضة، شدد على أن العفو يجب أن يكون مشروطًا بالاعتراف بالذنب، والتعبير عن الندم، والتقاعد الفوري من الحياة السياسية. أما يائير جولان، رئيس حزب “ميرتس”، فصرّح بأن “المذنبين فقط هم من يطلبون العفو”، مؤكدًا أن الطريق الوحيد لتحقيق الوحدة الوطنية يكمن في وقف “آلة الكراهية والتسميم” التي يراها في سياسات نتنياهو.
اتهامات بصرف الانتباه عن القضايا الملحة
أفيجدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، اتهم نتنياهو بمحاولة صرف انتباه الإسرائيليين عن القضايا الملحة التي تواجه البلاد، مثل الحرب المستمرة، وقانون التهرب من الخدمة العسكرية، وأزمة الأسرى، والتدهور الاقتصادي. واعتبر أن طلب العفو مجرد خدعة لإعادة تشكيل الرأي العام والسيطرة على الخطاب السياسي.
انتقادات قانونية وأخلاقية لطلب العفو
لم تقتصر الانتقادات على الجانب السياسي، بل طالت أيضًا الجانب القانوني والأخلاقي. موشيه كينلي، عضو الكنيست، انتقد طلب العفو ووصفه بأنه “انحراف عن التقاليد اليهودية والقانون الإسرائيلي”، مشيرًا إلى أنه يتطلب الاعتراف الكامل بالمسؤولية.
أحمد الطيبي، عضو الكنيست عن حزب حداش-العربية للتغيير، أشار إلى أن نتنياهو لا يسعى إلى الحصول على عفو قانوني، بل إلى إنهاء المحاكمة بشكل كامل دون الاعتراف بالذنب أو التعبير عن الندم.
موقف منظمات المجتمع المدني: ضربة لسيادة القانون
أعربت العديد من منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية عن قلقها العميق إزاء طلب العفو. حركة “جودة الحكم” أكدت أن منح العفو لنتنياهو في هذه الظروف سيشكل “ضربة قاتلة لسيادة القانون ومبدأ المساواة أمام القانون”.
منظمة مراقبة حقوق الإنسان، بدورها، حذرت من أن منح العفو لرئيس وزراء متهم بارتكاب جرائم خطيرة سيرسل رسالة مفادها أن “بعض المواطنين فوق القانون”، داعية الرئيس هرتسوج إلى “الوقوف بحزم ضد الضغوط والدفاع عن الديمقراطية”. هذه التصريحات تعكس مخاوف واسعة النطاق بشأن استقلالية القضاء وتطبيق القانون بشكل عادل على الجميع.
مستقبل طلب العفو وتداعياته المحتملة
مكتب الرئيس الإسرائيلي أكد استلامه لطلب العفو وإحالته إلى قسم الشؤون القانونية لدراسته. وأشار إلى أن الطلب “استثنائي” وله تداعيات مهمة، وأن الرئيس سينظر فيه بمسؤولية وجدية.
القرار النهائي بشأن العفو عن نتنياهو سيكون له تأثير كبير على المشهد السياسي والقضائي في إسرائيل. فإذا تم منح العفو، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الانقسامات الداخلية وتقويض ثقة الجمهور في النظام القضائي. أما إذا تم رفضه، فقد يدفع نتنياهو إلى مواصلة الدفاع عن نفسه أمام المحكمة، مما قد يؤدي إلى استمرار الأزمة السياسية. بغض النظر عن النتيجة، فإن هذه القضية ستظل محط اهتمام ومتابعة واسعة في إسرائيل وخارجها. النقاش حول الفساد السياسي و العدالة في إسرائيل سيستمر بالتأكيد.












