اخبار مصر

“العريس راح يزور أبوه لقاه مقتول”.. حكاية ليلة سوداء لم تنم فيها بولاق

كتب : محمد شعبان



06:05 م


30/09/2025


لم يكن “محمود” يتخيل أن أول زيارة لوالده بعد زواجه ستتحول إلى فاجعة عمره. قبل أسبوعين فقط احتفل بزفافه، وسط زغاريد الأهل ودموع الفرح التي ملأت العيون. كان والده، الرجل الخمسيني، يقف بجواره يومها بابتسامة كبيرة ويقول له: “نفسي أشوف عيالك وأفرح بيهم قبل ما العمر يسبقني”.

لكن القدر لم يمهله، ولم تمض أيام قليلة حتى خطفته رصاصات عشوائية في مشهد مروع أمام منزله بمنطقة بولاق الدكرور غرب الجيزة، ليترك ابنه العريس الجديد في صدمة لا تحتمل.

القصة بدأت بشكل قد يبدو بسيطًا، مشادة كلامية بين رجل وزوجته. كلمات غاضبة خرجت عن السيطرة، اختلطت بالسباب والشتائم، ووصلت حد سبّ الدين. وهنا تدخل أحد الجيران معاتبًا الرجل على تصرفه، لكن بدلاً من أن تهدأ الأمور، اشتعلت نار الخصام أكثر.

خلال دقائق معدودة تحولت الحكاية من خلاف أسري إلى مشاجرة واسعة بين الجيران. أصوات الصراخ علت، وتجمع الأهالي، ومع كل دقيقة كان الغضب يزداد، حتى تدخل أنصار ومناصرون لكل طرف تتحول الأجواء إلى فوضى حقيقية.

وسط الزحام والتوتر، كان هناك من قرر أن يستخدم السلاح ليحسم الموقف. أحد المشاركين في المشاجرة حمل بندقية خرطوش وأطلق النار بشكل عشوائي صوب كل من يقف أمامه، دون أن يدرك أن رصاصاته ستكتب مأساة جديدة في شارع هادئ.

في هذه اللحظة خرج الأب، والد العريس محمود، من منزله. سمع صخب المشاجرة أمام البيت، فنزل مطمئنًا على ابنه. لم يكن يتوقع أن خطواته القليلة على السلم ستصبح الأخيرة في حياته.

ثلاث طلقات خرطوش أصابته مباشرة في جسده. سقط على السلم غارقًا في دمائه، وسط صرخات الأهالي. ابنه محمود، الذي جاء لزيارة والده بعد زواجه، وجد المشهد الصادم أمام عينيه: والده جثة هامدة والدماء تغطي المكان.

أحد الشهود يقول إن إطلاق النار لم يفرق بين أحد، أصاب سبعة أشخاص بينهم ترزي فقد عينه اليمنى، بينما الأب لم ينجُ من الطلقات الثلاث التي اخترقت جسده.

الأهالي حملوا الرجل المصاب مسرعين إلى مستشفى قصر العيني، على أمل إنقاذه لكن الجروح كانت بالغة، والدم نزف بغزارة. يقول الأطباء إن الرصاصات الثلاث تسببت في تهتك شديد، ولم تفلح محاولات إنعاشه. دقائق قليلة وأُعلن خبر الوفاة.

زوجته لم تتمالك دموعها، وهي تردد بمرارة: “3 طلقات خطفوا جوزي من على باب البيت”. كانت تعلم أن حياتها تغيرت إلى الأبد في لحظة، وأن الرجل الذي عاش عمره كله من أجل أسرته، رحل ضحية طلقات عشوائية لم يكن له فيها أي ذنب.

الضحية، 59 عامًا، كان معروفًا بين جيرانه بالهدوء وحب الخير. طوال الأيام الماضية كان يتحدث بحماس عن فرحة زواج ابنه، وعن حلمه أن يرى حفيدًا يحمله على كتفيه لكن الرصاص العشوائي حرمه من حلمه الأخير.

ابنه محمود لم يصدق عينيه، قبل أيام كان يسمع دعاء والده له في ليلة الزفاف، والآن يراه مسجى أمامه بلا حراك. المشهد القاسي اختلط بالذهول، وكأن كل شيء حدث بسرعة لا يمكن استيعابها.

مع تصاعد الفوضى وسقوط الضحايا، انتقلت الأجهزة الأمنية إلى موقع الحادث بسرعة. رجال المباحث طوقوا المنطقة، وبدأوا في تفريغ محيط الواقعة وجمع الشهادات. لم يمر وقت طويل حتى تمكنوا من ضبط طرفي المشاجرة، والتحفظ على السلاح المستخدم.

التحقيقات الأولية كشفت أن مطلق النار كان يساند أحد أقاربه في المشاجرة، واستخدم بندقية خرطوش بطريقة عشوائية، دون اعتبار لحياة الأبرياء الذين تصادف وجودهم في المكان.

المشهد ترك جرحًا عميقًا ليس فقط في قلب أسرة العريس محمود، بل في نفوس كل سكان المنطقة. يقول أحد الجيران: “مافيش بيت هنا إلا وهو موجوع. اللي اتصاب واللي فقد حد غالي واللي شاف الدم بعينه الرصاص العشوائي خلانا نحس إن حياتنا مهددة في أي لحظة”.

أم محمود جلست وسط النساء تبكي بينما العريس الجديد وقف مذهولاً، بين دموعه وصمته، لا يعرف كيف يتحمل وقع الفاجعة.

لم يكن الأب ضحية ثأر أو خصومة شخصية، ولم يكن طرفًا في المشاجرة. كل ما فعله أنه حاول النزول للاطمئنان على ابنه، لكن الرصاص العشوائي لم يرحم.

واليوم، في بولاق الدكرور، لا يزال صدى الحادث يتردد في الشوارع الضيقة. قصة أب حلم برؤية أحفاده، لكن رصاصات طائشة أطفأت الحلم، وكتبت النهاية الحزينة لرحلته مع الحياة، تاركًا وراءه ابنًا حديث الزواج يواجه قسوة الفقد وصدمة البداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى