الذهب بين الفائدة والرسوم الجمركية.. 48 ساعة ترسم مستقبل الأسعار عالمي

كتب : أحمد الخطيب
05:35 م
29/10/2025
تعيش أسواق الذهب العالمية حالة من الترقب الشديد خلال 48 ساعة حاسمة، إذ يعقد الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اجتماعه مساء اليوم لحسم ملف أسعار الفائدة على الدولار وسط توقعات واسعة بخفضها للمرة الثانية على التوالي، ويثير هذا الاجتماع ترقبًا كبيرًا في الأسواق العالمية، فيما يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غدًا نظيره الصيني شي جين بينج لاتخاذ قرار نهائي بشأن الاتفاق التجاري بين البلدين، وهو ما يضع المعدن النفيس أمام مفترق طرق بين الصعود والهبوط.
ويشير خبراء تحدثوا إلى مصراوي إلى أن الاجتماعين يمثلان أهم حدثين اقتصاديين خلال الربع الأخير من العام، مؤكدين أن الذهب قد يتراجع مؤقتًا إذا تحقق الاستقرار التجاري بين واشنطن وبكين، لكنه سيظل محتفظًا بمكانته كملاذ آمن في ظل التقلبات العالمية.
شهدت أسعار الذهب خلال الشهر الجاري قفزة غير مسبوقة، حيث صعدت الأونصة لتلامس مستويات قياسية وصلت إلى نحو 4398 دولارا هذا الارتفاع كان مدفوعًا بعدة عوامل، أبرزها المخاوف المتزايدة عالميًا من تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وأزمة الإغلاق الحكومي في أمريكا، بالإضافة إلى الغموض الذي يكتنف مستقبل سعر الفائدة الأمريكية.
ومع ذلك، شهد سعر الذهب تراجعًا ملحوظًا خلال الأيام القليلة الماضية، حيث هبط إلى مستوى يقارب 3982 للأونصة هذا الانخفاض يمثل موجة تصحيح للسوق، قبل أن يعود للارتفاع قليلا خلال تعاملات اليوم.
الاتفاق التجاري هو العامل الحاسم وليس الفائدة
يرى لطفي منيب، نائب رئيس شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية، أن تأثير قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة سيكون محدودًا مقارنة بتأثير الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، مؤكدًا أن حالة “الهدوء والانسجام” بين البلدين إن تحققت ستكون الدافع الأقوى لتشجيع الاستثمار المباشر وتوجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات الإنتاجية بدلًا من الذهب.
وقال منيب إن ارتفاع الذهب في الفترات الماضية كان نتيجة مباشرة للتوترات الاقتصادية والتعريفات الجمركية المتبادلة، مشيرًا إلى أن أي اتفاق فعلي بين الجانبين سيؤدي إلى تراجع واضح في الأسعار.
وأضاف أن الذهب تحرك مؤخرًا بشكل تصحيحي طبيعي بعد بلوغه مستويات تاريخية قاربت 4400 دولار للأوقية، لافتًا إلى أن المستثمرين بدؤوا في جني الأرباح مع تزايد التفاؤل بشأن التهدئة التجارية.
خفض الفائدة يدعم الذهب مؤقتًا
يؤكد نادي نجيب، سكرتير شعبة الذهب السابق بالغرف التجارية، أن الأسواق تمر بحالة ترقب غير مسبوقة منذ بداية العام، فالمستثمرون ينتظرون إشارة واضحة من الفيدرالي حول مسار الفائدة، وفي المقابل يراقبون ما ستسفر عنه قمة ترامب وشي.
وقال نجيب إن خفض الفائدة الأمريكية حال إقراره سيؤدي مبدئيًا إلى زيادة الطلب على الذهب باعتباره بديلًا عن الودائع البنكية منخفضة العائد، لكن هذا الصعود سيكون قصير الأجل إذا تحقق الاستقرار التجاري.
هدوء الصراعات قد يدفع الذهب للهبوط
من جانبه يقول الدكتور سيد خضر، الخبير الاقتصادي، إن مستقبل أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة سيتحدد بناء على تفاعل ثلاثة عوامل رئيسية، وهي: مسار الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، ومدى الاستقرار الجيوسياسي العالمي، وقرارات البنوك المركزية الكبرى بشأن أسعار الفائدة.
وأوضح خضر أن تخفيض الرسوم الجمركية المتبادلة بين أمريكا والصين يمثل العامل الأهم في تحديد اتجاه الذهب، مشيرًا إلى أن اتفاق الرئيسين ترامب وشي جين بينج على تخفيض تلك الرسوم سيفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الحقيقية إلى الأسواق الإنتاجية، ويقلل من اعتماد المستثمرين على الذهب كملاذ آمن، ما يؤدي إلى تراجع ملحوظ في الأسعار خلال المدى القريب.
وأضاف أن الاستقرار السياسي وتهدئة الصراعات الإقليمية عادة ما ينعكسان على سوق الذهب بالانخفاض، لأن حالة الهدوء تشجع على المخاطرة والاستثمار المباشر، مؤكدًا أن “كلما زاد الاستقرار، فقد الذهب جزءًا من بريقه كأداة للتحوط”.
وفيما يخص سياسة الفيدرالي الأمريكي، أشار خضر إلى أن تثبيت سعر الفائدة قد يدفع الأسعار نحو التراجع، بعكس الخفض المتتالي للفائدة الذي عادة ما يرفع الطلب على الذهب باعتباره بديلاً آمناً عن الودائع البنكية منخفضة العائد.
وأكد خضر أن الاتفاق التجاري الأمريكي الصيني يظل العامل الأكثر تأثيرًا في الفترة الحالية، حتى أكثر من قرارات خفض الفائدة، موضحًا أن الأسواق بدأت تشهد بالفعل بوادر تراجع طفيف في أسعار الذهب نتيجة حالة التفاؤل بتقارب وجهات النظر بين واشنطن وبكين.
وتوقع أنه في حال توقيع اتفاق شامل وتخفيض فعلي للرسوم الجمركية، قد تشهد الأسواق تراجعًا حادًا في أسعار الذهب عالميًا، بينما في المقابل ستعود الأسعار للصعود مجددًا في حال تجدد التوترات التجارية أو نشوب صراعات جديدة تؤدي إلى زيادة الطلب على الملاذات الآمنة.
العلاقة العكسية بين الفائدة والذهب مستمرة
يرى الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، أن خفض الفائدة الأمريكية سيظل عامل دعم رئيسيًا للذهب، موضحًا أن العلاقة بين المعدن النفيس والفائدة “عكسية بطبيعتها”.
وأشار إلى أن العالم ما زال يواجه تحديات اقتصادية عدة، أبرزها ارتفاع الأسعار واستمرار معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى، ما يجعل الذهب محافظًا على جاذبيته كملاذ آمن رغم أي اتفاقات تجارية.
وأضاف الدسوقي أن الاتفاق التجاري حال توقيعه قد يخلق حالة من الاستقرار النسبي لكنه لن يكون كافيًا لإنهاء الأزمات العالمية، معتبرًا أن المستثمرين سيستمرون في الاحتفاظ بالذهب بنسب مرتفعة كتحوط ضد التقلبات.
قوة الدولار تحدد اتجاه الذهب
أما مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، فيرى أن العامل الحاسم في تحديد مستقبل الذهب خلال الأيام المقبلة هو أداء الدولار الأمريكي بعد اجتماعي الفيدرالي والبيت الأبيض.
وقال إن الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة قد لا يدعم الدولار بالقدر المتوقع، بل ربما يؤدي إلى تراجعه تدريجيًا مع مرور الوقت، وهو ما يعزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن وسط احتمالات خفض الفائدة للمرة الثانية على التوالي.
وأشار شفيع إلى أن التراجعات الأخيرة في أسعار الذهب تمثل “عمليات تصحيح طبيعية”، مؤكدًا أن الاتجاه العام ما زال يميل إلى الصعود في ظل استمرار حالة عدم اليقين العالمي وقيام البنوك المركزية الكبرى بشراء كميات ضخمة من الذهب على حساب الدولار وأدوات الدين الأمريكية.












