اخر الاخبار

وسط مخاوف بشأن التأثيرات.. “تشريعات أيديولوجية” تهدد بـ”تخارج خليجي” من الأسواق الأوروبية

تشريعات الاتحاد الأوروبي للاستدامة تثير قلقاً خليجياً وتنافسياً

أعرب مجلس التعاون الخليجي في مطلع ديسمبر الجاري عن قلقه البالغ إزاء تشريعين حديثي الإصدار من الاتحاد الأوروبي، وهما توجيه العناية الواجبة للاستدامة (CSRD) وتوجيه الإبلاغ عن استدامة الشركات (CS3D). يرى المجلس أن هذه التشريعات قد تفرض معايير أوروبية على الشركات الخليجية، مما قد يؤثر سلباً على تنافسيتها واستمرارية أعمالها في السوق الأوروبي. هذا القلق يأتي في ظل علاقات تجارية متنامية بين الجانبين، ويطرح تساؤلات حول مستقبل التعاون الاقتصادي.

بيان رسمي وتنسيق دبلوماسي

ولأول مرة، تصدر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي بياناً موحداً يعبر عن هذا القلق، مشيرة إلى تأثير التشريعات على الأسواق والإمدادات. البيان طالب بتعديل نطاق تطبيق هذه التشريعات أو إلغائها، على الرغم من المفاوضات السابقة التي أسفرت عن تخفيف بعض المتطلبات. هذا الموقف يعكس رغبة دول الخليج في حماية مصالحها الاقتصادية.

ويأتي هذا البيان في سياق تنسيق دبلوماسي مع حلفاء مثل الولايات المتحدة، وذلك قبل أي تطبيق فعلي لهذه التشريعات. الهدف من هذا التنسيق هو الضغط على الاتحاد الأوروبي لإعادة النظر في هذه القوانين، أو على الأقل، لتخفيف أثرها على الشركات غير الأوروبية. كما يتزامن مع مناقشات “حزمة أومنيبوس” (Omnibus Package/Regulation)، وهي مجموعة تعديلات وقوانين تفرضها أوروبا على الشركات غير الأوروبية العاملة في السوق الأوروبي بهدف تسهيل تطبيق التشريعات.

دوافع أيديولوجية وأعباء تنظيمية

يرى خبراء أوروبيون أن التشريعات (CSRD وCS3D) “وليدة دوافع أيديولوجية”، تهدف إلى فرض معايير الاتحاد الأوروبي على الشركات العالمية. ويشيرون إلى وجود صراع داخلي بين التوجهات الأيديولوجية والحاجات الاقتصادية. هذا يعني أن الدافع وراء هذه التشريعات ليس فقط حماية البيئة وحقوق الإنسان، بل أيضاً تعزيز النفوذ الأوروبي في الاقتصاد العالمي.

في المقابل، يرى خبراء ومسؤولون خليجيون أن التشريعات الأوروبية المقترحة تفرض أعباء تنظيمية ومالية غير ضرورية على الشركات الخليجية، وتهدد تنافسيتها في السوق الأوروبية. هذه الأعباء تشمل تكاليف الامتثال للمعايير الجديدة، وتكاليف إعداد التقارير، وتكاليف التدقيق. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التشريعات قد تؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، خاصة في قطاع الطاقة.

تأثير التشريعات على سلاسل الإمداد والطاقة

حذر الخبراء من تأثير التشريعات الأوروبية على سلاسل الإمداد، لا سيما في قطاع الطاقة. ويرون أن “التخارج” من السوق الأوروبية قد يكون خياراً مطروحاً للشركات الخليجية، إذا لم تتمكن من الامتثال لهذه التشريعات بتكلفة معقولة. هذا التخارج قد يؤدي إلى نقص في إمدادات الطاقة في أوروبا، وارتفاع الأسعار.

اعتمد الاتحاد الأوروبي تشريع CS3D في عام 2024، على أن تنتهي الدول الأعضاء من تطبيقه ضمن قوانينها الوطنية بحلول 26 يوليو 2027. ومن المتوقع أن تبدأ المجموعات الأولى من الشركات الكبيرة غير الأوروبية العاملة في السوق الأوروبي بالامتثال له اعتباراً من ذلك التاريخ، بينما تطبق الالتزامات تدريجياً على شركات إضافية في الفترة بين 2028 و2029 حسب حجمها وإيراداتها.

CS3D: نظرة تفصيلية

  • نطاق التطبيق: الشركات الكبيرة من حيث عدد الموظفين أو الإيرادات العالية، والشركات غير الأوروبية التي لها تأثير اقتصادي كبير في السوق الأوروبي.
  • المتطلبات الأساسية: تقييم المخاطر البيئية والاجتماعية والعمالية في سلاسل التوريد، ووضع خطط للوقاية والمعالجة، وتقديم تقارير شفافة.
  • المعايير البيئية: الامتثال لمعايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتغير المناخي، وإدارة الموارد وتقليل الانبعاثات.
  • المعايير الاجتماعية: حماية حقوق الإنسان، وحقوق العمال، ومكافحة العمل القسري أو الاستغلالي.

توجيه الإبلاغ عن استدامة الشركات (CSRD)

أصدر الاتحاد الأوروبي أيضاً تشريع CSRD في عام 2022، الذي يلزم الشركات الكبيرة داخل وخارج أوروبا بإعداد تقارير استدامة دقيقة وشفافة وفقاً للمعايير الأوروبية للاستدامة (ESRS). ويفرض التشريع عقوبات على غير الممتثلين، على أن يبدأ التطبيق التدريجي اعتباراً من 26 يوليو 2028 للشركات الأوروبية الكبرى، وبين 2029 و2030 للشركات غير الأوروبية الكبيرة.

CSRD: تفاصيل هامة

  • نطاق التطبيق: الشركات الكبيرة في الاتحاد الأوروبي، والشركات غير الأوروبية التي لها نشاط اقتصادي كبير في السوق الأوروبي.
  • المتطلبات الأساسية: إعداد تقارير الاستدامة حول الأثر البيئي والاجتماعي وسلوك الحوكمة، وضمان الشفافية والإفصاح الكامل.
  • المعايير البيئية: تقييم وإبلاغ عن الانبعاثات الكربونية، وإدارة الموارد الطبيعية، والمبادرات للتكيف مع التغير المناخي.
  • المعايير الاجتماعية والحكومية: الإفصاح عن حقوق الإنسان وحقوق العمال، وسياسات الحوكمة، ومكافحة الفساد، وتعزيز المسؤولية الاجتماعية للشركات.

تاريخ العلاقات التجارية والتوجهات المستقبلية

بدأت علاقات التعاون التجاري بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 1988، وتشمل عدة مجالات أبرزها الطاقة. ويعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول الخليج منذ عام 2020، مع التزام مستمر بمفاوضات اتفاقية تجارة حرة مستقبلية. ومع ذلك، فإن هذه التشريعات الجديدة قد تعيق التقدم نحو هذه الاتفاقية.

ويرى مدير المركز الأوروبي الخليجي للمعلومات (EGIC) في بروكسل، ماثيو روبنسون، أن الاتحاد الأوروبي يدفع نحو الحواجز التجارية من خلال دمج مبادئ المناخ وحقوق الإنسان في النشاط التجاري. ويضيف أن أوروبا ترى في الممارسات المستدامة والأخلاقية “قيم غير قابلة للتفاوض”، حتى لو عقّدت التعاملات الاقتصادية.

مرونة أوروبية وتعديلات محتملة

على الرغم من موقف الاتحاد الأوروبي الصارم، إلا أنه يبدي بعض المرونة في تطبيق هذه التشريعات، خاصة تحت ضغط الحلفاء. وقد أعاد الاتحاد الأوروبي النظر في مسودات القواعد التشريعية لتخفيف الأعباء المفروضة على الشركات الأجنبية، وذلك في ظل مخاوف من توتر تجاري. تشير التعديلات الأخيرة للبرلمان الأوروبي إلى رغبة في حماية التنافسية، وتوقع استمرار الحوار الدبلوماسي بين التكتل ودول الخليج.

الخلاصة، تشريعات الاستدامة الجديدة الصادرة عن الاتحاد الأوروبي تمثل تحدياً كبيراً للشركات الخليجية، وتثير قلقاً بشأن مستقبل التعاون الاقتصادي بين الجانبين. ومع ذلك، فإن المفاوضات جارية، وهناك أمل في التوصل إلى حلول مرضية للطرفين، تحافظ على مصالح الجميع وتضمن استمرار تدفق التجارة والاستثمار. من الضروري متابعة هذه التطورات عن كثب، والعمل على إيجاد حلول مبتكرة للتغلب على هذه التحديات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى