محادثات لبنانية إسرائيلية أميركية جديدة في الناقورة الجمعة

في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، تشهد منطقة الناقورة جنوب لبنان تطورات لافتة، حيث تستعد لاستضافة اجتماعات حاسمة لـ “اللجنة التقنية العسكرية للبنان” (الميكانيزم) يوم الجمعة. تكتسب هذه الاجتماعات أهمية خاصة، لما تحمله من دلالات تتعلق بمساعي تحقيق الاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان، ومنع التصعيد المحتمل، وفتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي. هذه المحادثات، التي تجمع مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين وأمريكيين، تمثل جولة تفاوضية مباشرة ثانية بين الجانبين، وتأتي وسط قرار إسرائيلي برفع مستوى التمثيل في الاجتماعات، مما يعكس جدية السعي لإيجاد حلول للوضع الراهن.
الاجتماعات في الناقورة: تطورات وجدول الأعمال
تُعقد هذه الاجتماعات بدعم ورعاية أمريكية، ويشارك فيها من الجانب اللبناني السفير سيمون كرم، ومن الجانب الإسرائيلي نائب مستشار الأمن القومي، يوسي درازنين، بينما تمثل الولايات المتحدة بالمبعوثة مورجان أورتاجوس. إن رفع إسرائيل لمستوى تمثيلها، بالمقارنة مع الاجتماع الأول، يشير إلى رغبة في إعطاء دفعة قوية للمفاوضات، والتعبير عن التزام أكبر بتحقيق نتائج إيجابية.
على الرغم من أن جدول الأعمال الرسمي يركز على تعزيز التعاون الاقتصادي عبر الحدود، إلا أن الهدف الأكبر لهذه المحادثات هو منع أي استئناف للقتال، وتجنب جولة جديدة من العنف بين إسرائيل ولبنان، وتحديداً مع حزب الله. هذا الهدف غير المعلن يعتبر حجر الزاوية في المساعي الدبلوماسية الجارية.
تاريخ تشكيل “الميكانيزم” وأهميته
تأسست “اللجنة التقنية العسكرية للبنان” (الميكانيزم) بموجب إعلان وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحزب الله في 27 نوفمبر 2024. تعتبر هذه الآلية بمثابة قناة اتصال رئيسية، تهدف إلى معالجة أي انتهاكات أو تجاوزات على طول الحدود، ومنع سوء الفهم والتصعيد غير المقصود. الولايات المتحدة تتولى رئاسة هذه اللجنة، مما يؤكد دورها المركزي في تسهيل الحوار بين الطرفين.
الدفاع عن السيادة اللبنانية ووجهة النظر اللبنانية
أكد الرئيس اللبناني السابق، ميشال عون، على أهمية هذه الاجتماعات في سياق الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه. وقد كلف السفير كرم برئاسة الوفد اللبناني، وذلك في خطوة تعكس حرص لبنان على الحفاظ على مصالحه العليا.
وفي هذا السياق، صرّح رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، بأن أي محادثات اقتصادية مع إسرائيل يجب أن تكون جزءاً من عملية أوسع نطاقاً للتطبيع، والتي يجب أن تسبقها اتفاقية سلام رسمية. هذا الموقف يعكس التزام لبنان بالحلول الشاملة التي تضمن حقوقه وسيادته. الناقورة أصبحت بذلك رمزاً للدبلوماسية الحذرة التي يتبعها لبنان في تعامله مع هذه القضية الحساسة.
مخاوف التصعيد وجهود الدعم الدولي
في الأسابيع الأخيرة، لوّح الجيش الإسرائيلي باحتمالية التصعيد ضد لبنان، متهمًا حزب الله بالنشاط العسكري المستمر. وقد نقلت تل أبيب، عبر الوساطة الأمريكية، رسالة تحذيرية إلى الحكومة اللبنانية، تهدد بتوسيع نطاق العمليات العسكرية في حال عدم اتخاذ خطوات فعالة لنزع سلاح الحزب أو الحد من نشاطه.
لمواجهة هذه المخاوف، تشهد باريس محادثات مكثفة يشارك فيها مسؤولون فرنسيون وسعوديون وأمريكيون مع قائد الجيش اللبناني، رودولف هيكل. تهدف هذه المحادثات إلى حشد الدعم للقوات المسلحة اللبنانية، ووضع خارطة طريق لتمكين آلية لنزع سلاح حزب الله، وذلك من خلال تشجيع التمويل والتدريب اللازمين.
تركيز اجتماعات باريس على دعم الجيش اللبناني
يُركز قائد الجيش اللبناني في اجتماعات باريس على المهام المتعددة الملقاة على عاتقه، والتي تشمل ضبط الحدود، ومكافحة الإرهاب، والحرب على المخدرات، والحفاظ على الأمن ومكافحة الجريمة المنظمة. كما سيستعرض خطة الجيش لحصر السلاح، والتي بدأت في منطقة جنوب الليطاني، مؤكداً التزام الجيش بتنفيذ القرار 1701 الذي يهدف إلى ضمان وقف الأعمال العدائية. الجيش اللبناني يظل حجر الزاوية في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة الجنوبية.
آفاق المستقبل والتحديات القائمة
تشير التقارير إلى أن اجتماع باريس يهدف إلى تهيئة الظروف المواتية لتحديد ودعم آليات عملية لنزع السلاح والتحقق منها، مما قد يدفع إسرائيل إلى التراجع عن خطط التصعيد. ومع ذلك، لا يخفي المراقبون قلقهم من أن اقتراب موعد الانتخابات التشريعية اللبنانية، في عام 2026، قد يؤدي إلى زيادة الاضطرابات السياسية، ويضعف قدرة الحكومة على الضغط من أجل مواصلة عملية نزع السلاح.
الوضع الحالي في لبنان، كما وصفه أحد المسؤولين، “مضطرب للغاية ومليء بالتناقضات”، مما يستدعي أقصى درجات الحذر والتروي في التعامل مع هذه القضية الحساسة. الخوف من أن يؤدي أي خلاف أو سوء فهم إلى إشعال الموقف في الجنوب يظل قائماً. الاستقرار الإقليمي يعتمد بشكل كبير على نجاح هذه المساعي الدبلوماسية.
في الختام، تعتبر الاجتماعات الجارية في الناقورة وباريس خطوة مهمة نحو تحقيق الاستقرار على الحدود الجنوبية للبنان، ومنع التصعيد المحتمل، وتعزيز التعاون الاقتصادي. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهوداً متواصلة من جميع الأطراف المعنية، والتزاماً حقيقياً بالحلول السلمية والشاملة، وإدراكاً عميقاً للتحديات المعقدة التي تواجه المنطقة. نأمل أن تثمر هذه المساعي عن نتائج إيجابية تعزز الأمن والاستقرار في لبنان والمنطقة بأسرها.












