ماذا نعرف عن “قسد” وما هي مناطق سيطرتها في سوريا؟

تُعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من أبرز الفاعلين في المشهد السوري المعقد، وقد لعبت دوراً محورياً في مكافحة تنظيم داعش. تأسست هذه القوات بدعم من الولايات المتحدة، وتثير مسألة علاقتها بحزب العمال الكردستاني (PKK) جدلاً واسعاً على الصعيدين الإقليمي والدولي. هذا المقال يتناول تاريخ تشكيل قسد، مكوناتها، مناطق نفوذها، اتفاقها الأخير مع الحكومة السورية، والتحديات التي تواجهها.
نشأة وتشكيل قوات سوريا الديمقراطية
بدأت فكرة تشكيل قوات كردية قادرة على مواجهة التحديات الأمنية في سوريا مع تصاعد الصراع وتوسع نفوذ تنظيم داعش في عام 2014. في البداية، كانت هناك مجموعات مسلحة كردية صغيرة، أبرزها وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ)، التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD). مع تزايد التهديد الداعشي، سعت هذه المجموعات إلى الحصول على دعم دولي، وبالأخص من الولايات المتحدة.
في 10 أكتوبر 2015، أعلن عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينة القامشلي، بعد إعلان واشنطن عن تقديم أسلحة لمجموعة محددة بهدف محاربة داعش في سوريا. لم تكن قسد مجرد قوة كردية، بل تحالفا يضم فصائل عربية وسورية أخرى، بهدف إعطاء المشروع السياسي والعسكري بعداً أوسع. هذا التنوع في المكونات كان يهدف إلى استمالة الدعم من مختلف شرائح المجتمع السوري.
المكونات الرئيسية لقسد ومناطق النفوذ
تعتبر وحدات حماية الشعب (YPG) ووحدات حماية المرأة (YPJ) العمود الفقري لـ قوات سوريا الديمقراطية. تتمتع هذه الوحدات بتنظيم عسكري جيد، وخبرة قتالية اكتسبتها من خلال المعارك ضد داعش. بالإضافة إلى ذلك، تضم قسد فصائل أخرى مثل “الجيش الوطني السوري” (فصائل سورية معارضة انضمت لاحقاً) وبعض المجموعات المحلية.
تسيطر قسد حالياً على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، تشمل محافظات الحسكة، والرقة، ودير الزور، بالإضافة إلى ريف حلب الشمالي. تعتبر هذه المناطق ذات أغلبية كردية، ولكنها تضم أيضاً عدداً كبيراً من العرب والسريان والأرمن. سيطرة قسد على هذه المناطق تثير قلق تركيا، التي تعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.
معارك قسد ضد داعش والدعم الأمريكي
خاضت قوات سوريا الديمقراطية معارك شرسة ضد تنظيم داعش، وكانت في طليعة القوات التي شاركت في تحرير مدينة الرقة، المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا. كما لعبت دوراً حاسماً في معركة تحرير كوباني عام 2015، والتي تعتبر نقطة تحول في الصراع ضد داعش.
منذ عام 2015، تلقت قسد دعماً عسكرياً ولوجستياً كبيراً من الولايات المتحدة، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والتدريب والاستشارة. بلغ عدد مقاتلي قسد حوالي 45000 مقاتل، وفقاً لتقديرات البنتاجون لعام 2017. هذا الدعم الأمريكي كان يهدف إلى تحقيق هدف محدد وهو هزيمة داعش، ولكنه أثار أيضاً انتقادات من بعض الدول، التي ترى أن هذا الدعم يقوي جماعة تعتبرها إرهابية. الوضع الأمني في سوريا معقد جداً.
اتفاق 10 مارس بين دمشق وقسد: نقطة تحول محتملة
في العاشر من مارس الماضي، شهدت سوريا توقيع اتفاق تاريخي بين الحكومة السورية بزعامة بشار الأسد، وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي. يهدف هذا الاتفاق إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق البلاد تحت إدارة الدولة السورية.
بنود الاتفاق الرئيسية:
- التمثيل السياسي: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة السياسية.
- الهوية الكردية: التأكيد على أن المجتمع الكردي جزء أصيل من الدولة السورية، وحماية حقوقه الدستورية.
- وقف إطلاق النار: وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية.
- السيطرة المركزية: دمج كافة المؤسسات في شمال وشرق سوريا، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، تحت إدارة الدولة.
- عودة المهجرين: ضمان عودة المهجرين السوريين إلى ديارهم وتأمين حمايتهم.
- مكافحة الإرهاب: دعم الدولة السورية في مكافحة بقايا تنظيم داعش والتهديدات الأخرى.
- رفض التقسيم: رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.
- الإطار الزمني: السعي لتطبيق الاتفاق بحلول نهاية عام 2025.
هذا الاتفاق يمثل تحولاً كبيراً في موقف الحكومة السورية تجاه قسد، وقد يمهد الطريق لحل سياسي شامل للأزمة السورية. ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من التحديات التي تواجه تطبيق هذا الاتفاق، بما في ذلك معارضة تركيا، ومخاوف الفصائل السورية الأخرى.
التحديات المستقبلية
تواجه قوات سوريا الديمقراطية العديد من التحديات في المستقبل القريب. أبرز هذه التحديات هو التهديد التركي المستمر، حيث تشن تركيا هجمات متكررة على المناطق التي تسيطر عليها قسد، وتعتبر هذه المناطق منطقة عازلة لحماية حدودها. بالإضافة إلى ذلك، تواجه قسد تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، بسبب تدهور الأوضاع المعيشية في المناطق التي تسيطر عليها. كما أن مسألة العلاقة مع الحكومة السورية، وتطبيق اتفاق 10 مارس، ستظل قضية حساسة ومعقدة في الفترة القادمة. المستقبل السياسي في سوريا غير واضح.
في الختام، تظل قوات سوريا الديمقراطية قوة مؤثرة في المشهد السوري، ودورها في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في شمال وشرق سوريا لا يمكن إنكاره. ومع ذلك، فإن مستقبل هذه القوات يعتمد على قدرتها على التغلب على التحديات التي تواجهها، وإيجاد حلول سياسية واقتصادية مستدامة. من الضروري متابعة التطورات على الأرض، وتحليل الأبعاد المختلفة للصراع السوري، لفهم الدور الذي ستلعبه قسد في تشكيل مستقبل سوريا.












