للمرة الأولى.. الفائض التجاري للصين يتجاوز حاجز تريليون دولار

تجاوز الفائض التجاري الصيني حاجز تريليون دولار خلال 11 شهراً من العام الحالي، وهو رقم قياسي يعكس قوة الاقتصاد الصيني وقدرته على التكيف مع التحديات التجارية العالمية. هذا الإنجاز يأتي على الرغم من الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة، والتي كان من المفترض أن تعيق صادرات الصين، إلا أنها دفعت بكين إلى البحث عن أسواق جديدة وتعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى.
الفائض التجاري الصيني يتخطى حاجز التريليون دولار: رقم غير مسبوق
أعلنت هيئة الجمارك الصينية، الاثنين، أن الفائض التجاري المتراكم بلغ 1.08 تريليون دولار حتى نهاية نوفمبر، وهو مستوى لم يسبق لأي دولة بلوغه. هذا الرقم يعكس قدرة الصين على الحفاظ على مكانتها كقوة تجارية عالمية، بل وتعزيزها، في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية الحالية. فائض التجارة هذا يمثل أكثر من عُشر الاقتصاد الصيني، مما يؤكد أهمية الصادرات في النمو الاقتصادي للبلاد.
تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية
فرض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب رسومًا جمركية على البضائع الصينية بهدف تقليل العجز التجاري الأمريكي وحماية الصناعات المحلية. وقد أدت هذه الرسوم بالفعل إلى تراجع صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنحو خمس حجمها السابق. ومع ذلك، لم يؤثر ذلك بشكل كبير على الفائض التجاري الإجمالي للصين، بل حفزها على تنويع أسواقها.
“تسونامي” الصادرات الصينية يجتاح أسواقاً جديدة
بعد الرسوم الجمركية الأمريكية، عززت الصين بشكل كبير صادراتها إلى دول أخرى، وخاصة في جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية. وصفته صحيفة “نيويورك تايمز” بـ “تسونامي” الصادرات الصينية، حيث يغرق السوق بمنتجات متنوعة، بدءًا من السيارات وصولًا إلى الألواح الشمسية والإلكترونيات الاستهلاكية.
تراجع القدرة التنافسية للشركات الغربية
تواجه شركات صناعة السيارات وغيرها من المصدّرين في القوى الصناعية التقليدية مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تحديات متزايدة بسبب المنافسة الصينية الشديدة. كما أن المصانع في الدول النامية، مثل إندونيسيا وجنوب إفريقيا، اضطرت إلى خفض الإنتاج أو الإغلاق بسبب العجز عن مجاراة الأسعار الصينية المنخفضة. هذا التحول يؤثر بشكل كبير على هيكل الصناعة العالمية.
استراتيجيات الالتفاف على الرسوم الجمركية
لم تستسلم الشركات الصينية للرسوم الجمركية الأمريكية، بل لجأت إلى استراتيجيات مبتكرة للالتفاف عليها. قامت بنقل خطوط التجميع النهائية لمنتجاتها إلى دول جنوب شرق آسيا والمكسيك وإفريقيا، ومن ثم شحن المنتجات النهائية إلى الولايات المتحدة. هذه الخطوة مكنتها من تجنب جزء من الرسوم الجمركية المفروضة على السلع القادمة مباشرة من الصين.
تعزيز العلاقات التجارية مع أوروبا
باتت الصين الآن تبيع للاتحاد الأوروبي أكثر من ضعف ما تشتريه منه، وقد اتسع فائضها التجاري مع المنطقة بشكل ملحوظ هذا العام. توسعت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنحو 15% الشهر الماضي، وهو أسرع معدل منذ يوليو 2022. قفزت الشحنات إلى إفريقيا بنحو 28%، في حين ارتفعت الصادرات إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بنسبة 8.4% فقط، وهو أضعف أداء منذ فبراير.
دور ضعف اليوان في تعزيز الصادرات
يعزى هذا النمو في الصادرات إلى حد كبير إلى ضعف العملة الصينية، اليوان، في السنوات الأخيرة مقابل عملات عديدة، وخاصة اليورو. انخفاض الأسعار في الصين مقابل ارتفاعها في الولايات المتحدة وأوروبا ساهم أيضًا في زيادة الطلب على المنتجات الصينية. ساعد ضعف اليوان على دفع الصادرات الصينية، مما جعلها أكثر تنافسية في الأسواق العالمية.
تحديات مستقبلية ومناقشات دولية
يُعدّ فائض الصين من السلع المصنّعة كنسبة من اقتصادها أكبر من الفائض الذي حققته الولايات المتحدة في فترات تاريخية مماثلة. هذا الوضع أثار قلق صندوق النقد الدولي، الذي يقوم بزيارة سنوية إلى الصين لمراجعة سياساتها المالية والنقدية. دعا عدد من الاقتصاديين وقادة الأعمال الصين إلى السماح بارتفاع قيمة اليوان، لكن هذا قد يضرّ بالمصدّرين الصينيين.
موقف الصين من الحمائية التجارية
تسعى الصين إلى الحفاظ على فائضها التجاري عبر الضغط على الدول الأخرى لعدم فرض حواجز تجارية. أكد الرئيس الصيني شي جين بينج، في لقائه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن “الحمائية لا يمكن أن تحل المشكلات التي سببها إعادة هيكلة الصناعة العالمية، بل ستزيد الوضع الدولي سوءاً”. الفائض التجاري الصيني يمثل تحديًا وفرصة في آن واحد للاقتصاد العالمي.
في الختام، تجاوز الفائض التجاري الصيني حاجز التريليون دولار يمثل إنجازًا اقتصاديًا كبيرًا للصين، ويعكس قدرتها على التكيف مع التحديات التجارية العالمية. ومع ذلك، فإن هذا النجاح يثير تساؤلات حول مستقبل التجارة العالمية وتأثير المنافسة الصينية على الشركات الغربية. من المهم متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية في الصين لفهم تأثيرها على الاقتصاد العالمي بشكل كامل. هل ستستمر الصين في الحفاظ على هذا الزخم؟ وما هي الإجراءات التي ستتخذها الدول الأخرى للتعامل مع هذه التحديات؟ هذه أسئلة ستحدد مستقبل التجارة العالمية في السنوات القادمة.












