لقاء سفير واشنطن بإسرائيل مع جاسوس مدان يثير الاستياء.. والبيت الأبيض: لم نكن نعلم

في تطور يثير التساؤلات حول مدى التنسيق والشفافية داخل الإدارة الأمريكية، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن لقاء سري جمع مايك هاكابي، السفير الأمريكي لدى إسرائيل، بجوناثان بولارد، المحكوم السابق بتهمة التجسس لصالح إسرائيل. وأكدت كارولين ليفيت، الناطقة باسم البيت الأبيض، عدم علم الإدارة باللقاء مسبقاً، لكنها أكدت دعم الرئيس لسفيرها. هذا الحدث يعيد إلى الواجهة قضية حساسة لطالما شكلت نقطة توتر في العلاقات بين البلدين الحليفين.
تفاصيل اللقاء السري وما أثارته من جدل
أفادت “نيويورك تايمز” بأن اللقاء بين هاكابي وبولارد جرى في يوليو الماضي داخل السفارة الأمريكية في القدس، بعيداً عن جدول أعمال السفير الرسمي. وقد أثار هذا الاجتماع استياءً ملحوظاً في أوساط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، حيث يُعتبر خروجاً عن البروتوكولات المتبعة التي تحذر من التواصل مع جواسيس مدانين.
الجدل لم يقتصر على طبيعة اللقاء، بل امتد ليشمل دوافعه. تشير التقارير إلى أن هاكابي يسعى لتعزيز علاقاته مع اليمين الإسرائيلي، وهو التيار الذي يعتبر بولارد شخصية بارزة فيه. هذا الأمر يثير تساؤلات حول ما إذا كان اللقاء يمثل محاولة من السفير للتأثير على السياسات الداخلية الإسرائيلية أو إرسال رسالة دعم غير معلنة لمواقف معينة.
ردود الفعل الرسمية وتأكيد دعم الإدارة لهاكابي
على الرغم من المفاجأة التي أثارتها هذه الأنباء، سارعت كارولين ليفيت إلى التأكيد على دعم الإدارة الأمريكية لسفيرها. وأوضحت في مؤتمر صحفي أن الرئيس “يدعم مايك هاكابي وكل ما يقوم به من أجل الولايات المتحدة وإسرائيل”. هذا التصريح، وإن كان يهدف إلى تهدئة المخاوف، لم يقدم تفسيراً واضحاً لسبب عدم علم الإدارة باللقاء، أو ما إذا كانت ستفتح تحقيقاً في الأمر.
في المقابل، صرح بولارد نفسه، في مقابلة مع قناة “آي24 نيوز” الإسرائيلية، بأن الاجتماع تم بناءً على طلب هاكابي. وأضاف أنه أراد أن يعرب عن تقديره للجهود التي بذلها السفير خلال فترة سجنه. اللافت في الأمر، أن هاكابي نفسه دعا في عام 2011، خلال مسعاه للترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري، إلى إطلاق سراح بولارد.
قضية بولارد: تاريخ من الجدل والتوتر
قضية بولارد هي واحدة من أكثر قضايا التجسس إثارة للجدل في تاريخ الولايات المتحدة. فقد أُدين جوناثان بولارد عام 1987 وحُكم عليه بالسجن المؤبد، وهي أقصى عقوبة ممكنة بتهمة التجسس لصالح دولة حليفة. وقد أدانته المحكمة بتسليم معلومات أمريكية سرية للغاية إلى إسرائيل. أمضى بولارد 30 عاماً في السجن قبل حصوله على عفو مشروط عام 2015، ثم انتقل إلى إسرائيل عام 2020.
دوافع بولارد وأبعاد التجسس
عمل بولارد كمحلل في مخابرات القوات البحرية الأمريكية في منتصف الثمانينيات، حيث قام بجمع معلومات حساسة حول العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط. ثم قام بتسليم هذه المعلومات إلى إسرائيل مقابل مبالغ مالية كبيرة. وتضمنت المعلومات التي سربها تفاصيل حول أنظمة المراقبة الأمريكية، والمواقع العسكرية السرية، والخطط الهجومية المحتملة.
تشير وثائق وكالة الاستخبارات المركزية التي تم رفع السرية عنها في 2012 إلى أن الغارة الإسرائيلية على مقر “منظمة التحرير” الفلسطينية في تونس عام 1985، التي أسفرت عن مقتل 60 شخصاً، استندت إلى معلومات قدمها بولارد.
علاقات أمريكية إسرائيلية: هل يمثل اللقاء نقطة تحول؟
لطالما كانت قضية بولارد مصدرًا للتوتر في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب. ورغم أن تل أبيب مارست ضغوطاً متكررة على واشنطن لإطلاق سراحه، إلا أن مسؤولين كباراً في البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية يعتبرون أفعال بولارد خيانة خطيرة وضرراً كبيراً بالأمن القومي الأمريكي.
يثير هذا اللقاء مخاوف من أن الإدارة الأمريكية قد تتخذ موقفاً أكثر تسامحاً تجاه التجسس من قبل الحلفاء. في ظل توطد العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بنى هاكابي علاقات وثيقة مع قادة إسرائيل. لكن، هذا اللقاء قد يضع هذه العلاقات في اختبار حقيقي، خاصة إذا ما تبين أنه تم دون إطلاع أو موافقة الإدارة الأمريكية.
تعقيدات السياسة الخارجية وتأثيرها على الملفات الحساسة
تُظهر هذه الحادثة مدى تعقيد ملفات السياسة الخارجية، وكيف يمكن للتفاعلات الشخصية والاعتبارات السياسية الداخلية أن تؤثر على العلاقات الدولية. من الضروري الآن أن تقوم الإدارة الأمريكية بتقديم توضيحات مفصلة حول ملابسات هذا اللقاء، وأهدافها من وراء التعامل مع بولارد، وذلك لطمأنة حلفائها وتهدئة المخاوف التي أثارتها هذه القضية.
الوضع يستدعي مراقبة دقيقة لكيفية تطور الأحداث، وتأثيرها على مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. يبقى السؤال الأهم: هل يشكل هذا اللقاء بداية لمرحلة جديدة من الشفافية والتعاون، أم أنه مجرد خلل في مسار العلاقة قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والشكوك؟












