اخر الاخبار

زيارة ماكرون إلى الصين.. ود “واضح” مع شي دون اختراقات في الملفات الكبرى

في خطوة دبلوماسية لافتة، رافق الرئيس الصيني شي جين بينج نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة إلى مدينة تشنجدو يوم الجمعة، وهي لفتة تحمل دلالات عميقة حول أولويات العلاقات الصينية الأوروبية، وتحديداً مكانة باريس في التوازن الاستراتيجي لبكين. هذه الزيارة، التي تذكرنا باستقبال مماثل للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2017، تؤكد على اهتمام الصين بتوطيد الروابط مع فرنسا، ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، في ظل التحديات الجيوسياسية والتجارية المتصاعدة.

الزيارة التاريخية: تكرار لصيغة أم تغيير في الاستراتيجية؟

تذكر الزيارة بالاستقبال الخاص الذي حظي به الرئيس ترامب في القصر الإمبراطوري ببكين، إلا أن هناك اختلافاً جوهرياً في نطاقها. فبينما اقتصرت جولة ترامب على العاصمة، اختار شي جين بينج تشنجدو كمحطة للزيارة مع الرئيس ماكرون. يُعتقد أن هذا الاختيار يهدف إلى إبراز جوانب مختلفة من الصين، بعيداً عن مركز السلطة، وربما تقديم صورة أكثر ودية وواقعية.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الود الظاهر بين الزعيمين، يرى مراقبون أن الزيارة لم تسفر حتى الآن عن نتائج ملموسة تتجاوز الجانب الدبلوماسي. حتى الآن، لم يتم الإعلان عن صفقات تجارية ضخمة أو أي تقدم حقيقي في تخفيف حدة التوتر التجاري القائم بين الصين والاتحاد الأوروبي. هذه النقطة بالتحديد تثير تساؤلات حول ما إذا كانت الزيارة مجرد محاولة لتعزيز العلاقات العامة أم أنها تحمل في طياتها أجندة أعمق.

مخيبة للآمال؟ العائد المتوقع من الزيارة

الزيارة أثارت توقعات كبيرة، خاصة مع مرافقة عدد من رؤساء الشركات الفرنسية الكبرى لماكرون، أملاً في إبرام صفقات مربحة. وقد أسفرت المحادثات الأولية، التي عُقدت في بكين يوم الخميس، عن توقيع 12 اتفاقية تعاون فحسب، تغطي مجالات متنوعة مثل شيخوخة السكان والطاقة النووية والحفاظ على حيوان الباندا. لكن، لم يتم الكشف عن القيمة الإجمالية لهذه الاتفاقيات، مما يقوض من تأثيرها المحتمل.

تقول أليسيا جارسيا إيريرو، الباحثة في مركز بروجل للأبحاث، أن فرنسا ربما كانت تأمل في الحصول على المزيد من التنازلات، خاصةً في ظل تركيز أوروبا على “أمن الاقتصاد”. وتضيف: “ربما شعر ماكرون أنه سيبرم اتفاقاً بالنظر لوزنه، وأن فرنسا هي بوضوح الدولة التي تمارس أقصى الضغوط من أجل الأمن الاقتصادي، لكن ذلك لم يحدث”. هذا يشير إلى أن باريس كانت تعول على استغلال نفوذها في سعيها لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، لكنها واجهت مقاومة من الجانب الصيني.

قيود على التنازلات الصينية: حسابات جيوسياسية

تكمن المفارقة في أن الصين، وعلى الرغم من رغبتها في تعزيز العلاقات مع فرنسا، تواجه قيوداً كبيرة تمنعها من تقديم تنازلات جوهرية. فمن غير المرجح، على سبيل المثال، أن توقع الصين على طلبية كبيرة من طائرات إيرباص، خشية أن يؤدي ذلك إلى إضعاف موقفها في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة.

وبالمثل، فإن تخفيف الشروط المفروضة على منتجي الكونياك واللحوم الفرنسيين قد يقوض موقف بكين التفاوضي مع بروكسل فيما يتعلق بالرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية. هذه الاعتبارات تجعل من الصعب على شي جين بينج الاستجابة بشكل كامل لتطلعات ماكرون.

بكين تسعى لتوسيع نفوذها في أوروبا

تعتبر بكين أن وجود علاقات قوية مع فرنسا يُمثل بوابة لتوسيع نفوذها في الاتحاد الأوروبي. ففرنسا، باعتبارها إحدى الدول الأعضاء الرئيسية في الاتحاد، تمتلك وزناً سياسياً واقتصادياً كبيراً، ويمكن أن تلعب دوراً محورياً في تشكيل سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الصين.

ومع ذلك، فإن هذا النفوذ محدود بطبيعته، حيث أن الاتحاد الأوروبي يضم 27 دولة، ولكل منها مصالحها وأولوياتها الخاصة. لذلك، فإن الاعتماد المفرط على فرنسا قد لا يكون كافياً لتحقيق أهداف بكين في التغلغل في السوق الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم الصين علناً بدعمها لروسيا، مما يجعل من الصعب على الرئيس ماكرون تحقيق أي انفراجة بشأن حرب أوكرانيا خلال هذه الزيارة.

مستقبل العلاقات الصينية الأوروبية.. توازن المصالح

في الختام، تظهر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين، برفقة الرئيس شي جين بينج، مدى تعقيد العلاقات الصينية الأوروبية. على الرغم من الود الدبلوماسي الظاهر، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين التوقعات والنتائج الملموسة. ويبدو أن بكين تسعى إلى استغلال علاقاتها مع باريس لتعزيز نفوذها في أوروبا، لكنها في الوقت ذاته حريصة على عدم تقديم تنازلات قد تضر بمصالحها الاستراتيجية.

إن مستقبل هذه العلاقات سيعتمد على قدرة الجانبين على تحقيق توازن دقيق بين مصالحهم المتضاربة، وإيجاد أرضية مشتركة للتعاون في مجالات ذات منفعة متبادلة. من المهم متابعة التطورات في هذا الملف، وتقييم ما إذا كانت هذه الزيارة ستشكل نقطة تحول في التعاون الصيني الفرنسي، أم أنها ستظل مجرد محاولة دبلوماسية محدودة الأثر. نتمنى أن نرى نتائج ملموسة تعود بالنفع على كلا الطرفين، وتعزز الاستقرار والازدهار في العالم.

Keywords Used:

  • العلاقات الصينية الأوروبية (Primary Keyword) – 7 times
  • التعاون الصيني الفرنسي (Secondary Keyword) – 2 times
  • أمن الاقتصاد (Secondary Keyword) – 2 times

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى