اخر الاخبار

رئيسة مكافحة الاحتكار بأوروبا تتهم أميركا بـ”الابتزاز” في محادثات التجارة

في تطور لافت يعكس تصاعد التوترات التجارية والسياسية بين أوروبا والولايات المتحدة، شنّت رئيسة مكافحة الاحتكار في أوروبا، تيريزا ريبيرا، هجوماً حاداً على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، متهمةً إياها بممارسة “الابتزاز” بهدف إجبار الاتحاد الأوروبي على تخفيف قواعده الصارمة المتعلقة بالتكنولوجيا الرقمية. هذا التصعيد يأتي في وقت حرج من المفاوضات التجارية الجارية، ويضع مستقبل التنظيم الرقمي في أوروبا على المحك. الخلاف يركز بشكل أساسي على قانون الأسواق الرقمية، الذي يهدف إلى تقييد الممارسات الاحتكارية لعمالقة التكنولوجيا، ويضع الاتحاد الأوروبي في مواجهة مباشرة مع الشركات الأمريكية الكبرى.

تصريحات ريبيرا اللاذعة ورفض “الابتزاز”

وصفَت المفوضة الإسبانية، تيريزا ريبيرا، في مقابلة مع مجلة “بوليتيكو” الضغوط الأمريكية بأنها “ابتزاز صريح”، مؤكدةً أن الولايات المتحدة تسعى إلى استغلال المفاوضات التجارية لتحقيق تنازلات في المجال الرقمي. وقالت ريبيرا بشكل قاطع: “إنه ابتزاز.. كونهم يقصدون ذلك لا يعني أننا نقبل هذا النوع من الابتزاز”.

هذا الرفض القاطع يؤكد موقف الاتحاد الأوروبي الثابت بأن قواعده الرقمية هي مسألة تتعلق بالسيادة الوطنية، ولا يجب أن تكون مرتبطة بأي مفاوضات تجارية ثنائية. وأوضحت ريبيرا أن الاتحاد الأوروبي يحترم القواعد التي تفرضها الولايات المتحدة على أسواقها، وتتوقع بالمقابل احتراماً مماثلاً لسيادتها التنظيمية.

قانون الأسواق الرقمية في قلب الخلاف

تعتبر الرقمنة والتحول الرقمي من أهم محاور النمو الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين، ويسعى الاتحاد الأوروبي إلى ضمان بيئة رقمية عادلة وتنافسية. قانون الأسواق الرقمية (DMA) هو حجر الزاوية في هذه الرؤية، حيث يفرض قيودًا صارمة على ما يُعرف بـ”الحراس الرقميين” – الشركات التي تهيمن على الأسواق الرقمية وتمتلك منصات رئيسية مثل متاجر التطبيقات وخدمات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي.

الهدف المعلن من قانون الأسواق الرقمية هو منع الاحتكار وتعزيز الابتكار، مما يعود بالنفع على المستهلكين والشركات الناشئة. ومع ذلك، ترى الإدارة الأمريكية أن هذا القانون تمييزي، حيث يستهدف بشكل غير متناسب الشركات الأمريكية الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون.

كما أن الولايات المتحدة تعترض على استثناء قانون الخدمات الرقمية (DSA) من نطاق المفاوضات، حيث يعتبرونه محاولةً أوروبيةً لتقييد حرية التعبير عبر الإنترنت، خاصةً على منصات مثل “إكس” (تويتر سابقًا).

الضغط الأمريكي ومحاولات التسوية

في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي، صرح وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك في بروكسل أن الولايات المتحدة قد تعدل نهجها بشأن رسوم الصلب والألومنيوم المفروضة على الاتحاد الأوروبي، شريطة أن يعيد الأوروبيون النظر في قواعدهم الرقمية.

وقد أثار هذا التصريح استياءً أوروبيًا، واعتبره البعض تهديدًا واضحًا وعلنيًا. لكن، وعلى الرغم من رد ريبيرا القوي، بدأت تظهر بعض الشقوق في جبهة الاتحاد الأوروبي الموحدة. فقد أعربت كاترينا رايش، من ألمانيا، عن تأييدها لـ “تخفيف أكبر للقواعد الرقمية للاتحاد الأوروبي”، مشيرةً إلى أن ألمانيا تسعى إلى “فرص للعب دور في العالم الرقمي”.

حزمة التبسيط الأوروبية ومخاوف الشركات الأمريكية

في محاولة لتهدئة التوترات، قدم الاتحاد الأوروبي حزمة تبسيط تهدف إلى الحد من البيروقراطية وتسهيل ممارسة الأعمال التجارية، بما في ذلك مقترح الحزمة الرقمية الشاملة.

وعلى الرغم من أن هذه الحزمة وُصفت بأنها مسعى أوروبي يركز على الذات، إلا أن البعض فسرها على أنها محاولة لمعالجة مخاوف الشركات الأمريكية بشأن التنظيم. ويبدو أن هذا التفسير لم ينجح في إقناع الولايات المتحدة، التي تواصل الضغط من أجل إجراء تغييرات جوهرية في القواعد الرقمية الأوروبية.

السياق العالمي وتصعيد التوترات الرقمية

لا تأتي هذه التوترات في فراغ، بل هي جزء من صراع عالمي أوسع نطاقًا حول مستقبل التنظيم الرقمي. فالولايات المتحدة، إلى جانب العديد من الدول الأخرى، تبذل جهودًا حثيثة لإضعاف القوانين الرقمية في الولايات القضائية الأجنبية، لحماية مصالح شركاتها التكنولوجية الكبرى.

الوضع الحالي يعكس تحديات كبيرة أمام التعاون التجاري بين أوروبا والولايات المتحدة. ومن الواضح أن المفاوضات المستقبلية ستكون معقدة وحساسة، وستتطلب تنازلات من كلا الجانبين.

في الختام، يثير الصراع الدائر حول التنظيم الرقمي تساؤلات حول مستقبل التجارة العالمية، وقدرة الدول على فرض سيادتها في العصر الرقمي. من المرجح أن يستمر هذا الجدل لفترة طويلة، مع تداعيات محتملة على الابتكار والمنافسة وحقوق المستهلكين. لمتابعة آخر التطورات، يمكنكم الاطلاع على المزيد من الأخبار المتعلقة بالسياسات التجارية والاتفاقيات الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى