دعم ترمب يشق صفوف اليمين المتطرف في أوروبا.. ترحيب ألماني وحذر فرنسي

كشف الدعم العلني الذي يقدمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لتيارات اليمين القومي في أوروبا عن انقسام واضح بين أكبر أحزاب اليمين المتطرف في القارة، لا سيما في ألمانيا وفرنسا. هذا الدعم، الذي يثير الجدل، يعكس تحولاً في السياسة الخارجية الأمريكية وتأثيره على المشهد السياسي الأوروبي. ووفقاً لصحيفة “بوليتيكو”، فإن هذا الانقسام يعود إلى حسابات سياسية داخلية أكثر من كونه خلافات أيديولوجية عميقة.
ترمب واليمين المتطرف الأوروبي: تحالف مثير للجدل
لقد أصبح الدعم الذي يقدمه دونالد ترمب لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا موضوع نقاش واسع. فمنذ فترة طويلة، يتبنى ترمب خطاباً شعبوياً قومياً، وهو ما يلقى صدى لدى هذه الأحزاب. هذا الدعم لا يقتصر على التصريحات، بل يتعداها إلى لقاءات مباشرة، كما هو الحال مع حزب “البديل من أجل ألمانيا”. الهدف من هذا التحالف، من وجهة نظر ترمب، قد يكون زعزعة الاستقرار في أوروبا وتعزيز أجندة “أمريكا أولاً”.
احتفاء ألماني بالدعم الأميركي و حذر فرنسي
حزب “البديل من أجل ألمانيا” (AfD)، اليميني المتطرف، رحب بحماس بالدعم المعنوي الذي يقدمه ترمب. يعتبر الحزب هذا الدعم فرصة ذهبية لاكتساب الشرعية الداخلية، وكسر العزلة السياسية التي يعاني منها. فبعد تصنيف وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية له كتيار متطرف، وجد الحزب في إشادة ترمب ومساعديه دعماً قوياً.
في المقابل، اختار “التجمع الوطني” الفرنسي، بقيادة جوردان بارديلا، اتباع نهج أكثر حذراً. يرى الحزب أن الارتباط المباشر بالإدارة الأميركية، خاصة في ظل الشعبية المتدنية لترمب داخل فرنسا، قد يتحول إلى “عبء سياسي” يعيق طموحاته في الانتخابات الرئاسية لعام 2027.
اختلاف المواقف: حسابات داخلية أم خلافات أيديولوجية؟
على الرغم من أن الحزبين الألماني والفرنسي يشتركان في بعض الأهداف العامة، مثل الحد من الهجرة وتعزيز السيادة الوطنية، إلا أن تباين مواقفهما من ترمب يعود بشكل أساسي إلى حسابات سياسية داخلية. فـ”البديل من أجل ألمانيا” يسعى إلى استغلال أي فرصة لتعزيز صورته، بينما يدرك “التجمع الوطني” أن التقارب مع ترمب قد يضر بفرصه في جذب الناخبين المعتدلين. كما أن هناك تاريخاً من الخلافات بين الحزبين، خاصة بسبب تصريحات مثيرة للجدل من جانب بعض قيادات الحزب الألماني حول الحرب العالمية الثانية.
ترمب يستهدف قادة الوسط الأوروبي
لا يقتصر دعم ترمب على أحزاب اليمين المتطرف، بل يمتد ليشمل هجوماً على قادة التيار الوسطي في أوروبا. فقد انتقد ترمب بشدة سياسات المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متهماً إياهم بالضعف والتنازل.
احتفى قادة “البديل من أجل ألمانيا” بهذه الهجمات، معتبرين أنها تعكس فهماً عميقاً للتحديات التي تواجه أوروبا. كما رحبوا بإشادة واشنطن بما تسميه “الأحزاب الأوروبية الوطنية” التي تسعى إلى مواجهة ما تسميه “طمس الهوية الحضارية” لأوروبا.
“تنمية المقاومة”: الهدف الأميركي الجديد
يثير الهدف الأميركي الجديد المتمثل في “تنمية المقاومة” ضد السياسات الأوروبية التقليدية قلقاً بالغاً في أوساط التيارات الوسطية في أوروبا. يرى هؤلاء أن هذا الهدف يهدف إلى تعزيز المد القومي المتطرف، وتقويض الوحدة الأوروبية.
زيارة مفاجئة تعزز العلاقة بين “البديل من أجل ألمانيا” وترمب
عقدت نائبة زعيمة حزب “البديل من أجل ألمانيا”، بياتريكس فون شتورش، محادثات في البيت الأبيض هذا الأسبوع، وهو ما يعكس تنامي العلاقة بين الحزب والإدارة الأميركية السابقة.
عضو البرلمان الأوروبي عن “البديل من أجل ألمانيا”، بيتر بيسترون، وصف هذه الزيارة بأنها “اعتراف مباشر بعملنا”، مشيراً إلى أن استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترمب بدت في بعض أجزائها وكأنها بيان سياسي لحزب أوروبي من اليمين المتطرف. وأضاف بيسترون أن الحزب الألماني طالما ناضل من أجل السيادة وإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، وهي الأولويات التي يطبقها ترمب الآن.
مستقبل العلاقة بين اليمين المتطرف الأوروبي والولايات المتحدة
على الرغم من انتهاء ولاية ترمب، إلا أن تأثيره على اليمين المتطرف الأوروبي لا يزال قوياً. فقد ترك ترمب إرثاً من الشعبوية والقومية، وهو ما يواصل استغلاله هذه الأحزاب.
من المرجح أن يستمر “البديل من أجل ألمانيا” في السعي إلى بناء علاقات مع الولايات المتحدة، في محاولة لكسب الدعم وتعزيز صورته. بينما من المتوقع أن يواصل “التجمع الوطني” الفرنسي اتباع نهج أكثر حذراً، مع التركيز على بناء قاعدة دعم داخلية قوية.
الخلاصة:
إن الدعم الذي يقدمه دونالد ترمب لليمين المتطرف الأوروبي يمثل تطوراً هاماً في المشهد السياسي العالمي. هذا الدعم، على الرغم من كونه مثيراً للجدل، قد يكون له تأثير كبير على مستقبل أوروبا. فمن خلال تعزيز المد القومي المتطرف، قد يساهم ترمب في تقويض الوحدة الأوروبية، وزعزعة الاستقرار في القارة. اليمين المتطرف في أوروبا يواجه تحديات داخلية وخارجية، ويبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان سيتمكن من الاستفادة من الدعم الأميركي لتحقيق أهدافه. السياسة الأوروبية تتأثر بشكل متزايد بالتحولات في الولايات المتحدة، مما يستدعي تحليلاً دقيقاً للعلاقات بين الجانبين. دونالد ترمب لا يزال لاعباً مؤثراً في السياسة العالمية، حتى بعد انتهاء ولايته الرئاسية.












