تونس.. اتحاد الشغل يعلن إضراباً عاماً وطنياً في 21 يناير

تونس على مفترق طرق: إضراب عام يهدد بتصعيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية
تشهد تونس تصاعدًا ملحوظًا في التوترات الاقتصادية والسياسية، وبلغت ذروتها بإعلان الاتحاد العام التونسي للشغل، القوة النقابية المؤثرة في البلاد، عن إضراب عام وطني في 21 يناير الجاري. يأتي هذا الإضراب احتجاجًا على ما يصفه الاتحاد بالقيود المتزايدة على الحقوق النقابية، والمطالبة ببدء حوار جاد حول زيادة الأجور، في ظل أزمة معيشية خانقة تضغط على المواطنين. هذا الإعلان يثير مخاوف من شلل محتمل للقطاعات الحيوية وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشة.
الاتحاد العام التونسي للشغل والإضراب العام القادم
يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يضم قرابة مليون عضو، ركيزة أساسية في المشهد الاجتماعي والسياسي التونسي. ورغم عدم تعرضه لقرارات رسمية مباشرة حتى الآن، يعبر الاتحاد عن قلقه المتزايد إزاء التضييق على الحريات النقابية، بما في ذلك التعليق الأحادي لبعض الاتفاقيات مع السلطات ورفض الاستجابة لمطالبه في ملفات عالقة.
التهديد بالإضراب الوطني لم يكن مفاجئًا، فقد أطلقه الاتحاد في نوفمبر الماضي، معتبرًا إياه “دفاعًا عن الحقوق النقابية”. ويأتي هذا التصعيد في سياق أزمة اقتصادية وسياسية عميقة تعصف بالبلاد، وتترافق مع احتجاجات متواصلة من مختلف الفئات، بما في ذلك المعارضة والنقابات والصحفيين والعاملين في القطاع المصرفي والأطباء.
تصاعد الحركات الاحتجاجية والضغط على الحكومة
لم يكن إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عن الإضراب العام حدثًا منعزلاً، بل هو جزء من موجة أوسع من الحركات الاحتجاجية التي تشهدها تونس. فقد نفذ أطباء وموظفو النقل والعاملون في البنوك إضرابات متتالية للمطالبة بتحسين ظروف العمل وزيادة الأجور، مما يعكس حالة الإحباط المتزايدة بين الموظفين العموميين.
هذه الإضرابات تضع الحكومة التونسية في موقف صعب، خاصة وأنها تعاني من قيود مالية حادة. الاستجابة لمطالب الزيادة في الأجور قد تزيد من الضغط على الميزانية العامة، بينما تجاهل هذه المطالب قد يؤدي إلى تفاقم الغضب الشعبي وتصعيد الاحتجاجات.
توتر العلاقات بين الحكومة والاتحاد الأوروبي
أضافت قضية لقاء سفير الاتحاد الأوروبي في تونس، جوزيبي بيرّوني، بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، بعدًا جديدًا للتوترات السياسية. استدعى الرئيس قيس سعيّد السفير الأوروبي للاحتجاج على ما وصفه بـ “عدم الالتزام بالضوابط الدبلوماسية” و”التعامل خارج الأطر الرسمية”.
هذا الإجراء يأتي في إطار حملة أوسع تشنها السلطات التونسية على منظمات المجتمع المدني، بدعوى تلقيها تمويلات أجنبية. وقد أسفرت هذه الحملة عن تعليق عمل العديد من المنظمات البارزة، مثل “النساء الديمقراطيات” و”صحفيو نواة” و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”.
منظمة العفو الدولية أعربت عن قلقها البالغ إزاء هذه الحملة، مشيرة إلى أنها بلغت مستويات حرجة، وتتضمن اعتقالات تعسفية وتجميدًا للأصول وقيودًا مصرفية.
موقف الاتحاد الأوروبي والتداعيات المحتملة
لقد شدد سفير الاتحاد الأوروبي، جوزيبي بيرّوني، خلال لقائه مع نورالدين الطبوبي، على أهمية استمرار التعاون مع المجتمع المدني التونسي، مشيدًا بدور الاتحاد العام التونسي للشغل في الحوار الوطني الذي أدى إلى حصول تونس على جائزة نوبل للسلام عام 2015.
من المهم الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يمثل أكبر شريك تجاري لتونس، وحليفًا رئيسيًا لها منذ عقود. لكن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي شهدت بعض الجمود منذ إعلان الرئيس سعيّد عن التدابير الاستثنائية وتوسيع صلاحياته في عام 2021.
إضراب الأطباء: مؤشر على الأزمة المتفاقمة
بالتزامن مع هذه التطورات، نفذ الآلاف من الأطباء الشبان في تونس إضرابًا عن العمل، ونظموا وقفة احتجاجية أمام مجلس نواب الشعب في العاصمة، احتجاجًا على عدم تطبيق اتفاق مبرم في 3 يوليو الماضي بشأن زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل.
هذا الإضراب يعكس حالة التدهور التي يشهدها القطاع الصحي في تونس، ويحذر من انهيار محتمل للنظام الصحي في البلاد. ويعتبر مؤشرًا إضافيًا على تصاعد التوتر الاجتماعي والاقتصادي في تونس.
الخلاصة: مستقبل تونس معلق
إن الوضع في تونس بالغ التعقيد، ويحمل في طياته مخاطر كبيرة. الإضراب العام الوطني الذي دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل يمثل لحظة حاسمة، وقد يكون له تداعيات بعيدة المدى على مستقبل البلاد.
من الضروري أن تبادر الحكومة التونسية إلى فتح حوار جاد مع الاتحاد العام التونسي للشغل، والاستماع إلى مطالب الموظفين العموميين، والبحث عن حلول عادلة ومستدامة للأزمة الاقتصادية والاجتماعية. كما يجب عليها احترام الحريات النقابية وحقوق المجتمع المدني، وتجنب أي إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية.
فشل الحكومة في معالجة هذه القضايا قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، ويهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي في تونس. المواطنون التونسيون ينتظرون من قادتهم اتخاذ قرارات حكيمة ومسؤولة تضمن مستقبلًا أفضل للبلاد.












