اخر الاخبار

توم باراك: على لبنان مناقشة “مسألة حزب الله” مع إسرائيل

في تطورات لافتة على الساحة الإقليمية، أعرب المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان، توم باراك، عن أمله في تجنب تصعيد الموقف بين إسرائيل ولبنان، وفي الوقت ذاته، جدد التأكيد على ضرورة معالجة قضية حزب الله من قبل الجانب اللبناني. تأتي هذه التصريحات في أعقاب اجتماعات مباشرة وغير مسبوقة بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين في الناقورة، جنوب لبنان، وهو ما يمثل بارقة أمل في خفض التصعيد المستمر منذ فترة.

تطورات الحوار بين لبنان وإسرائيل وتقييم الموقف

الاجتماعات الأخيرة في الناقورة، والتي جرت تحت إشراف الأمم المتحدة، تعتبر أول حوار مباشر وعلني بين الطرفين منذ عام 1993. وتشير إلى جهود مكثفة تقودها الولايات المتحدة لتهدئة الأوضاع على الحدود، خاصة بعد عام على اتفاق وقف إطلاق النار الهش. وفقًا لمسؤولين أميركيين، تسعى هذه المبادرات إلى “تجنب استئناف الحرب في لبنان” وتقديم مساحة للحوار البناء حول القضايا العالقة.

ومع ذلك، على الرغم من هذا التقدم، لا يزال الوضع متوترًا. فقد كثفت إسرائيل من ضرباتها داخل الأراضي اللبنانية في الأسابيع الأخيرة، ووصل الأمر إلى اغتيال القيادي في حزب الله، هيثم علي الطبطبائي، في غارة جوية ببيروت، وهو ما يمثل تصعيدًا خطيرًا وأبرز هجوم إسرائيلي على قيادات الحزب منذ العام الماضي. هذا الاغتيال، بالإضافة إلى الضربات المتكررة، يثير مخاوف من انزلاق المنطقة نحو مواجهة أوسع.

إشادة أميركية بالحوار مع تحذيرات من التصعيد

أشاد السفير الأميركي لدى لبنان، ميشال عيسى، بـ”القرار الشجاع” الذي اتخذه لبنان وإسرائيل بفتح قناة الحوار في الناقورة، واصفًا إياه بأنه “خطوة بناءة نحو تحديد مسارات قد تسمح يوماً ما لكلا البلدين بالتعايش بسلام واحترام وكرامة”. وأكد عيسى التزام الولايات المتحدة بدعم جميع الجهود التي تعزز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة.

لكن هذه الإشادة جاءت مصحوبة بتحذيرات ضمنية. فالمبعوث توم باراك، في تصريحاته من أبوظبي، لم يخفِ قلقه من استمرار التوترات، وأعرب عن أمله في ألا توسع إسرائيل هجماتها على لبنان. كما شدد على أن على لبنان أن يتحمل مسؤوليته في معالجة قضية حزب الله، وهو ما يمثل مطلبًا أميركيًا وإسرائيليًا قديمًا.

آفاق رفع العقوبات عن سوريا و”عقوبات قيصر”

لم تقتصر تصريحات باراك على الملف اللبناني الإسرائيلي، بل امتدت لتشمل سوريا. فقد أعرب عن أمله في رفع العقوبات الأميركية على سوريا، المعروفة باسم “عقوبات قيصر”. هذه العقوبات، التي فرضت في عام 2020، تستهدف الكيانات والأفراد المرتبطين بنظام بشار الأسد، بهدف الضغط عليه لإنهاء الحرب وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية.

رفع هذه العقوبات يمثل قضية معقدة. ففي حين ترى بعض الأطراف أنها ضرورية لتخفيف المعاناة الإنسانية في سوريا، يرى آخرون أنها ستؤدي إلى تعزيز نظام الأسد وتمكينه من مواصلة قمع شعبه. ويبدو أن الإدارة الأميركية تدرس هذا الملف بعناية، مع الأخذ في الاعتبار التطورات الإقليمية والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

العلاقة بين الاستقرار الإقليمي ورفع العقوبات

يرى مراقبون أن هناك علاقة وثيقة بين الاستقرار الإقليمي وإمكانية رفع العقوبات عن سوريا. فإنهاء التوترات في لبنان، وتحقيق تقدم في الملف السياسي السوري، قد يخلق بيئة أكثر ملاءمة لإعادة النظر في هذه العقوبات. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب تغييرات جوهرية في سلوك النظام السوري، بما في ذلك وقف الدعم للجماعات المسلحة، والتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق المتضررة.

مستقبل التوترات اللبنانية الإسرائيلية

يبقى مستقبل التوترات اللبنانية الإسرائيلية غير واضح. فالاجتماعات في الناقورة تمثل خطوة إيجابية، لكنها لا تكفي لحل المشاكل العميقة التي تعيق تحقيق السلام الدائم. إن معالجة قضية حزب الله، وتحديد آليات فعالة لضمان الأمن على الحدود، وتلبية المطالب اللبنانية المتعلقة بالسيادة والموارد الطبيعية، كلها قضايا تتطلب حوارًا جادًا وجهودًا مكثفة من جميع الأطراف المعنية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الدور الإقليمي والدولي يلعب عاملاً حاسماً في تحديد مسار الأحداث. فالولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، ودول الخليج، كلها لديها مصالح في المنطقة، ويمكنها أن تؤثر بشكل كبير على التطورات. إن تحقيق الاستقرار الإقليمي يتطلب تنسيقًا وتعاونًا بين هذه الأطراف، والتركيز على إيجاد حلول سلمية ومستدامة للصراعات القائمة.

في الختام، تُظهر تصريحات المبعوث الأميركي توازنًا دقيقًا بين الأمل في خفض التصعيد والتحذير من مغبة الاستمرار في التوترات. إن مستقبل العلاقة بين لبنان وإسرائيل، وإمكانية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، يعتمد على قدرة الأطراف المعنية على التحلي بالمرونة والمسؤولية، والالتزام بالحوار والسعي نحو السلام. نأمل أن تكون هذه الخطوات بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار في المنطقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى