تحقيقات: الحملة الأميركية ضد الحوثيين تسببت بسلسلة حوادث بحرية مكلفة

كشفت مجموعة من التقارير الاستقصائية الصادرة مؤخرًا عن البحرية الأمريكية عن سلسلة من الحوادث الخطيرة التي وقعت خلال عملياتها ضد الحوثيين في اليمن في البحر الأحمر. هذه الحوادث، التي وصفها البعض بأنها الأكثر كثافة منذ الحرب العالمية الثانية، ألحقت أضرارًا كبيرة بالمعدات وتسببت في إرهاق بالغ للطواقم، وكادت أن تؤدي إلى خسائر في الأرواح. وتلقي هذه التقارير الضوء على التحديات التي تواجهها البحرية الأمريكية في ظل تصاعد التوترات في المنطقة.
كثافة العمليات ضد الحوثيين: تقارير تكشف عن أبعاد جديدة
التقارير الأربعة، التي صدرت يوم الخميس، تركز بشكل خاص على الأحداث التي وقعت في ديسمبر 2024 وما بعده، بما في ذلك حادثة “نيران صديقة” مروعة. أظهرت التحقيقات أن الطراد “يو إس إس جيتيسبيرج” أطلق النار عن طريق الخطأ على مقاتلتين تابعتين لحاملة الطائرات “يو إس إس هاري إس ترومان”، مما أدى إلى إسقاط إحداهما. بالإضافة إلى ذلك، كشفت التقارير عن اصطدام حاملة الطائرات بسفينة تجارية وسقوط طائرتين مقاتلتين أخريين في البحر، مما أدى إلى خسائر مادية تقدر بملايين الدولارات.
“نيران صديقة” وحوادث متسلسلة: تفاصيل مقلقة
الحادثة الأكثر إثارة للقلق هي بالتأكيد حادثة “النيران الصديقة”. أخطأت سفينة “يو إس إس جيتيسبيرج” في تحديد الطائرات، معتقدة أنها صواريخ حوثية، وأطلقت النار عليها. انتقد التقرير بشدة تدريب أفراد مركز معلومات القتال واعتمادهم المفرط على التقنيات التي واجهت أعطالًا.
كما سلطت التقارير الضوء على حادثة الاصطدام مع السفينة التجارية، مشيرة إلى أن الضابط المسؤول لم يتخذ الإجراءات الكافية لتجنب الخطر. وذكر التقرير أن الكابتن ديف سنودن، قائد حاملة الطائرات في ذلك الوقت، قد خفف زاوية الاصطدام في اللحظات الأخيرة، مما حال دون وقوع أضرار أكبر وخسائر محتملة في الأرواح، حيث كان هناك 120 بحارًا نائمين في حجرة قريبة من نقطة الاصطدام.
الإرهاق التشغيلي وتأثيره على الجاهزية القتالية
لم تقتصر المشاكل على الحوادث المباشرة. أظهرت التقارير أن العمليات القتالية المكثفة، التي بدأت في أكتوبر 2023 ردًا على هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، أدت إلى إرهاق شديد للطواقم. فترة الانتشار الطويلة، التي كانت مقررة في الأصل بستة أشهر ثم امتدت إلى ثمانية، أدت إلى حرمان القادة والبحارة من النوم بشكل كبير.
هذا الإرهاق أثر سلبًا على الأداء، حيث أشار التقرير إلى أن بعض أفراد الطاقم فقدوا إدراكهم لأدوارهم في المهمة، وشعروا بـ “الخدر” بسبب وتيرة العمليات القتالية العالية. هذا الوضع يثير تساؤلات جدية حول قدرة البحرية الأمريكية على الحفاظ على جاهزية قتالية عالية في ظل مثل هذه الظروف.
تحذير من “راند” وضرورة إعادة تقييم الاستعداد
برادلي مارتن، الباحث البارز في مؤسسة “راند” والنقيب المتقاعد في البحرية، وصف هذه الحوادث بأنها “جرس إنذار” للبحرية الأمريكية. وأكد أن هذه الأحداث تكشف عن عدم استعداد البحرية الأمريكية لـ العمليات القتالية المطولة. وأضاف أن مستوى التهديد الجوي من الحوثيين في اليمن، على الرغم من أنه أقل مما قد تواجهه من الصين، كان كافيًا لإظهار نقاط ضعف كبيرة في الجاهزية والإعداد.
مساءلة المتورطين وإجراءات تصحيحية
الأدميرال جيمس كيلبي، ثاني أعلى ضابط رتبة في البحرية، أكد أنه تم اتخاذ “إجراءات مساءلة لجميع المشغلين المتورطين” في الحوادث الأربعة. ومع ذلك، لم يقدم أي تفاصيل حول هذه الإجراءات. تجدر الإشارة إلى أن البحرية الأمريكية أعفت الكابتن سنودن علنًا من قيادة حاملة الطائرات بعد وقت قصير من حادثة الاصطدام بالسفينة التجارية.
تداعيات أوسع: من البحر الأحمر إلى العقوبات
هذه الحوادث تأتي في سياق تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والحوثيين، والذي بدأ في أكتوبر 2023. وقد انتقلت المواجهة من البحر الأحمر إلى فرض عقوبات اقتصادية، في محاولة لتقويض قدرات الجماعة. وتشير هذه التطورات إلى أن الصراع في المنطقة قد يشهد المزيد من التصعيد في المستقبل القريب.
في الختام، تكشف التقارير الاستقصائية عن صورة مقلقة للعمليات الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن. الحوادث المتسلسلة، والإرهاق التشغيلي، ونقاط الضعف في الجاهزية القتالية، كلها عوامل تتطلب إعادة تقييم شاملة لاستراتيجيات البحرية الأمريكية في المنطقة. من الضروري اتخاذ إجراءات تصحيحية فورية لضمان سلامة الطواقم وحماية الأصول العسكرية، وتجنب المزيد من التصعيد في هذا الصراع المعقد.












