بوتين: الحرب ستستمر حتى “نهايتها المنطقية”.. وزيلينسكي: سنرسل خطة سلام منقحة لواشنطن

في خضمّ تطورات الأزمة الأوكرانية المستمرة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء عزمه على مواصلة “العملية العسكرية الخاصة” حتى تحقيق “نهايتها المنطقية”، مؤكداً مجدداً أن إقليم دونباس يمثل “أرضاً روسية” تاريخياً. يأتي هذا الإعلان في وقت تشهد فيه الجهود الدبلوماسية تحركاً مكثفاً، حيث كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداد أوكرانيا وأوروبا لتقديم خطة سلام جديدة منقحة إلى الولايات المتحدة، في محاولة لإيجاد حلول للأزمة المتفاقمة. هذه التطورات تضع الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه المساعي الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، وتكشف عن تباين في الرؤى بين الأطراف المعنية، خاصة فيما يتعلق بمستقبل إقليم الحرب في أوكرانيا.
تصعيد روسي وتأكيد على أهداف الحرب
أكد الرئيس بوتين خلال حفل تكريم للضباط العسكريين في الكرملين أن دونباس “أرض روسية” وأن هذا الأمر يمثل “حقيقة تاريخية” لا يمكن تجاهلها. وأضاف أن روسيا ستواصل عمليتها العسكرية حتى تحقيق أهدافها المعلنة، مشدداً على أهمية الأراضي التي وصفها بأنها “تم استعادتها من أوكرانيا”، معتبراً إياها جزءاً لا يتجزأ من روسيا.
هذا التصريح يعكس استمرار روسيا في اعتبار الصراع في أوكرانيا جزءاً من استراتيجيتها الأوسع نطاقاً، والتي تهدف إلى حماية مصالحها الأمنية واستعادة نفوذها في المنطقة. كما يوضح رفضها القاطع لأي حلول لا تعترف بسيادتها على إقليم دونباس، وهو ما يمثل عقبة رئيسية أمام أي مفاوضات سلام مستقبلية. وكان بوتين قد صرح سابقاً بأنه سيسيطر على دونباس “بأي وسيلة ممكنة”، مما يشير إلى استعداده لمواصلة استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه.
خطة سلام أوكرانية أوروبية: محاولة لكسر الجمود
في المقابل، يسعى الرئيس زيلينسكي وحلفاؤه الأوروبيون إلى تقديم رؤية جديدة لإنهاء الصراع، تأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة على الأرض والاحتياجات المتزايدة لأوكرانيا. أعلن زيلينسكي عبر منصة “إكس” أن كييف سترسل إلى واشنطن خطة السلام الأوكرانية الأوروبية “في المستقبل القريب”، بعد اجتماع مع قادة أوروبيين في لندن.
تتميز هذه الخطة بأنها نتاج تعاون وثيق بين أوكرانيا وأوروبا، وتسعى إلى إيجاد حلول عملية وواقعية للأزمة. ويؤكد زيلينسكي أن كييف ملتزمة بتحقيق “سلام حقيقي”، لكنه يشدد على أن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على استعداد روسيا لوقف الحرب. الخطة الجديدة تهدف إلى معالجة المخاوف الأوكرانية والأوروبية، وتقديم مقترحات ملموسة يمكن أن تشكل أساساً لمفاوضات جادة.
الضغوط الأمريكية والتخلي عن دونباس
تأتي هذه الجهود الدبلوماسية في ظل ضغوط أمريكية متزايدة على أوكرانيا للقبول بالتنازل عن أراضٍ، وعلى رأسها إقليم دونباس. كشف مسؤول أوروبي رفيع المستوى أن الولايات المتحدة تصر على أن تتخلى أوكرانيا عن كامل منطقة دونباس، بما في ذلك الأجزاء التي لا تسيطر عليها روسيا حالياً، وذلك بهدف التوصل إلى اتفاق سلام مع موسكو.
هذه المطالب الأمريكية تثير قلقاً بالغاً في كييف، حيث يرفض زيلينسكي بشكل قاطع التنازل عن أي أراضٍ أوكرانية. ويرى المسؤولون الأوكرانيون أن بعض جوانب الخطة الأمريكية الحالية “تميل لمصلحة موسكو”، وأن واشنطن تمارس ضغوطاً على كييف أكثر مما تفعل على روسيا. وتشير التقارير إلى أن هذه الضغوط ازدادت بعد اجتماع بين مبعوثين أمريكيين وبوتين في الكرملين، مما أثار مخاوف بشأن إمكانية التوصل إلى تفاهمات سرية على حساب المصالح الأوكرانية. الخلاف حول مستقبل إقليم دونباس يمثل نقطة خلاف رئيسية بين الأطراف المعنية.
الضمانات الأمنية وإعادة الإعمار
بالتوازي مع الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سلام، تعمل العواصم الأوروبية على بلورة ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، وإعداد خطة واسعة النطاق لإعادة إعمار البلاد. تدرك أوروبا أن مستقبل أوكرانيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن واستقرار القارة، وأن أي حل للأزمة يجب أن يضمن حماية سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا.
وتشمل خطط إعادة الإعمار توفير المساعدات المالية والتقنية اللازمة لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة، ودعم الاقتصاد الأوكراني، ومساعدة النازحين واللاجئين على العودة إلى ديارهم. تعتبر هذه الجهود ضرورية لضمان مستقبل مستدام لأوكرانيا، وتعزيز قدرتها على الصمود في وجه التحديات.
مستقبل المفاوضات والتحديات القائمة
يبدو أن مستقبل المفاوضات معقداً وغير مؤكد، في ظل استمرار التباين في الرؤى بين الأطراف المعنية. تصر روسيا على الاعتراف بسيادتها على إقليم دونباس، بينما ترفض أوكرانيا بشكل قاطع التنازل عن أي أراضٍ. وتواجه الولايات المتحدة مهمة صعبة في التوفيق بين هذه المصالح المتضاربة، وتقديم حلول مقبولة للجميع.
الوضع الحالي يشير إلى أن الأزمة الأوكرانية قد تستمر لفترة طويلة، ما لم يتم إحراز تقدم كبير في المفاوضات. ويتطلب ذلك جهوداً دبلوماسية مكثفة، ومرونة من جميع الأطراف، واستعداداً لتقديم تنازلات متبادلة. كما يتطلب ذلك ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا، وخطة شاملة لإعادة إعمار البلاد، لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للشعب الأوكراني. الخطة الجديدة التي تعدها أوكرانيا وأوروبا قد تمثل نقطة تحول في المفاوضات، لكن نجاحها يعتمد على مدى استعداد الولايات المتحدة للتعاون معها، وعلى موقف روسيا من أي مقترحات جديدة.












