اخر الاخبار

إقليم كردفان.. أرض “السيطرة المتحركة” في حرب السودان

تصاعدت وتيرة المعارك في إقليم كردفان بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ليتحول هذا الإقليم المفصلي الرابط بين وسط وغرب السودان إلى بؤرة صراع حاسمة. بينما تواصل قوات الدعم السريع بسط نفوذها على مدن غرب كردفان، يوسع الجيش السوداني سيطرته في شمال الإقليم، مع معارك ضارية غرب مدينة الأُبيّض التي باتت مركزاً عسكرياً ولوجستياً رئيسياً. هذا التطور يضع الإقليم في قلب الأحداث، ويجعله ورقة ضغط حاسمة في مستقبل الصراع الدائر في السودان.

تصاعد القتال وتغير موازين القوى في كردفان

شهدت الأيام الأخيرة تطورات عسكرية متسارعة في كردفان، أبرزها الهجوم الذي شنّه الجيش السوداني على معقل الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، في محاولة للوصول إلى معقلها التاريخي “كاودا”. يهدف هذا الهجوم إلى فك الحصار المفروض على الدلنج وكادقلي من قبل قوات “تأسيس” التي تضم الدعم السريع والحركة الشعبية وحركات مسلحة أخرى، بالإضافة إلى قوى مدنية. هذا التحرك العسكري يمثل تصعيداً كبيراً في الصراع، ويشير إلى رغبة الجيش في تغيير موازين القوى في الإقليم.

الأوضاع الإنسانية المتدهورة

وسط هذا التصعيد العسكري، يعيش سكان إقليم كردفان حالة من القلق والترقب. تتصاعد الدعوات إلى الاستنفار، بينما يطالب آخرون بالتهدئة وتحكيم العقل، خوفاً من انزلاق المكونات الأهلية إلى صراع داخلي. الأزمة الإنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم، مع تزايد أعداد النازحين واللاجئين الذين يفتقرون إلى الضروريات الأساسية للحياة.

جغرافيا كردفان وطبيعة الحرب الفريدة

يؤكد المحلل السياسي محمد الماحي الأنصاري أن طبيعة الحرب في كردفان ودارفور تختلف عن الجبهات الأخرى في السودان. فالمنطقة تتميز بجغرافيتها المفتوحة، وتعتمد على قوات خفيفة وسريعة الحركة ذات كثافة نيرانية عالية. هذا الأمر دفع النظام السابق إلى تشكيل قوات متخصصة مثل الدعم السريع وحرس الحدود لمواجهة الحركات المسلحة.

استراتيجية الجيش السوداني في كردفان

يرى الأنصاري أن الجيش السوداني يدرك صعوبة القتال في هذه الجغرافيا، لذلك يعتمد على الحركات المسلحة الأكثر خبرة في هذا النوع من القتال، بالإضافة إلى قوات درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل. ويضيف أن دعوات الاستنفار التي أطلقها الجيش لم تحقق النتائج المرجوة، بسبب عدم رغبة المستنفرين في القتال بعيداً عن مناطقهم، ونظر بعض المكونات الاجتماعية إلى الاستنفار على أنه موجّه ضد وجودها، مما دفعهم للتحالف مع الدعم السريع.

اتساع رقعة الاشتباكات وتطورات عسكرية لافتة

يشهد جنوب كردفان تطورات عسكرية ملحوظة بعد اندلاع اشتباكات بين الجيش وقوات الحركة الشعبية-شمال غربي العباسية تقلي. تمكن الجيش من السيطرة على منطقة مبسوطة والتقدم نحو مناطق أعمق داخل نطاق الحركة، في أكبر تحرك عسكري له ضدها منذ سنوات. يأتي هذا التطور بعد هجوم شنته الحركة على منطقة كُرتالا، والذي رد عليه الجيش بصد الهجمات المتتالية بشكل حاسم.

الاستقطاب القبلي وتأثيره على الصراع

تتعرض مناطق قبيلة المسيرية لاستقطاب حاد بين طرفي الحرب. وفقاً للمحلل السياسي محيي الدين زكريا، وجد الطرفان أرضية خصبة لاستمالة رموز القبيلة. اتجه الجيش إلى القيادات السياسية الموالية للمؤتمر الوطني، بينما ركز الدعم السريع على القيادات الأهلية والرموز التاريخية، وتمكن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” من التقريب بين فرعي المسيرية الحُمر والزُرق، مستفيداً من شعورهم بالاستهداف من قبل مجموعات محسوبة على الجيش. هذا الاستقطاب القبلي يزيد من تعقيد الوضع في الإقليم.

دور الإدارة الأهلية في ظل الحرب

يقول محمد عبد الرحمن أحمد آدم، زعيم محلي في قبيلة الحمر بغرب كردفان، إن الوضع بات متأزماً، وإن دور الإدارة الأهلية أصبح محدوداً نتيجة الحرب. ويضيف أن انتهاكات الدعم السريع باتت غير مقبولة، وأن الوصول إلى النازحين أصبح ضرورة قصوى وسط احتياجات متزايدة.

كردفان: معركة استنزاف أم سيطرة؟

يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي عمر أرباب أن إقليم كردفان يعد إقليماً استراتيجياً بامتياز، نظراً لغناه بالموارد التي تمكن الطرف المسيطر من تمويل عملياته. كما أن موقعه الجغرافي يجعله خط الدفاع الأول للأطراف المتحاربة. ويرى أرباب أن طبوغرافية الإقليم تجعل المعارك فيه معارك استنزاف أكثر منها معارك سيطرة، بسبب الخسائر البشرية الكبيرة التي تصاحب التقدم.

الأُبيّض: مركز العمليات والضغط الإنساني

تحولت مدينة الأُبيّض إلى مركز قيادة العمليات بعد إعلان نقل قيادة الجيش من الخرطوم إليها. وباتت المدينة نقطة الانطلاق الرئيسية للعمليات العسكرية في الإقليم، وفي الوقت ذاته أصبحت ملاذاً رئيسياً للنازحين. وقد استقبلت الأُبيّض نحو 144 ألف أسرة منذ بداية الحرب، مع تزايد الاحتياجات العاجلة في الإيواء والصحة.

في الختام، يمثل إقليم كردفان نقطة تحول حاسمة في الصراع الدائر في السودان. التطورات العسكرية المتسارعة، والاستقطاب القبلي، والأزمة الإنسانية المتفاقمة، كلها عوامل تزيد من تعقيد الوضع في الإقليم. يتطلب الوضع الحالي جهوداً مكثفة لوقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، والبدء في حوار سياسي شامل يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في السودان. نأمل أن تشهد الأيام القادمة تحولاً إيجابياً نحو حل الأزمة، وإعادة الأمل إلى شعب السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى